وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـَٔرُونَ
وَمَا بِكُمۡ مِّنۡ نّـِعۡمَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ ثُمَّ اِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَاِلَيۡهِ تَجْئَرُوۡنَۚ
تفسير ميسر:
وما بكم مِن نعمةِ هدايةٍ، أو صحة جسم، وسَعَة رزقٍ وولد، وغير ذلك، فمِنَ الله وحده، فهو المُنْعِم بها عليكم، ثم إذا نزل بكم السقم والبلاء والقحط فإلى الله وحده تَضِجُّون بالدعاء.
ثم أخبر أنه مالك النفع والضر وأن ما بالعبد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم وإحسانه إليهم" ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون" أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجئون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به كقوله تعالى "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا".
قوله تعالى ; وما بكم من نعمة فمن الله قال الفراء . ما بمعنى الجزاء . والباء في [ ص; 103 ] بكم متعلقة بفعل مضمر ، تقديره ; وما يكن بكم . من نعمة أي صحة جسم وسعة رزق وولد فمن الله . وقيل ; المعنى وما بكم من نعمة فمن الله هي .ثم إذا مسكم الضر أي السقم والبلاء والقحط .فإليه تجأرون أي تضجون بالدعاء . يقال ; جأر يجأر جؤارا . والجؤار مثل الخوار ; يقال ; جأر الثور يجأر ، أي صاح . وقرأ بعضهم " عجلا جسدا له جؤار " ; حكاه الأخفش . وجأر الرجل إلى الله ، أي تضرع بالدعاء . وقال الأعشى يصف بقرة ;فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا
اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله ( فَمِنَ اللَّهِ ) فقال بعض البصريين; دخلت الفاء، لأن " ما " بمنـزلة " من " فجعل الخبر بالفاء. وقال بعض الكوفيين; " ما " في معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت; ما يكن بكم من نعمة فمن الله، لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لم يظهر فهو مضمر ، كما قال الشاعر;إنِ العَقْـلُ فـي أموَالِنـا لا نَضِـقْ بِهِذِرَاعًـا وَإنْ صَـبْرًا فنَعْـرِفُ للصَّبْرِ (12)وقال; أراد; إن يكن العقل فأضمره. قال; وإن جعلت " ما بكم " في معنى الذي جاز ، وجعلت صلته بكم و " ما " في موضع رفع بقوله ( فَمِنَ اللَّهِ ) وأدخل الفاء ، كما قال إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وكل اسم وصل مثل من و ما و الذي، فقد يجوز دخول الفاء في خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لأنه اسم غير موصول، وكذلك تقول; مالك لي، فإن قلت; مالك، جاز أن تقول; مالك فهو لي، وإن ألقيت الفاء فصواب.وتأويل الكلام; ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة ، وفي أموالكم من نماء، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره، لأن ذلك إليه وبيده ( ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ) يقول; إذا أصابكم في أبدانكم سَقَم ومرض ، وعلة عارضة ، وشدّة من عيش ( فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) يقول; فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم ، وأصله; من جؤار الثور، يقال منه; جأر الثور يجأر جؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ، ومنه قول الأعشى;وَمـــا أيْبُـــلِيٌّ عَــلى هَيْكَــلِبَنــاهُ وَصَلَّــبَ فِيــهِ وصَــارَايُــرَاوِحُ مِــنْ صَلَــوَاتٍ المَـلِيـكِ طَـوْرًا سُـجُودًا وَطَـوْرًا جُـؤْارًا (13)يعني بالجؤار; الصياح، إما بالدعاء ، وإما بالقراءة.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال; أخبرنا أبو حُذيفة، قال; ثنا شبل وحدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال; ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) قال; تضرعون دعاء.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثني المثنى، قال; أخبرنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال; الضُّرُّ; السُّقْم.------------------------الهوامش;(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (1 ; 173) عند قوله تعالى; (وما بكم من نعمة فمن الله. قال; ما; في معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت; ما يكن بكم من نعمة فمن الله؛ لأن الجزاء لا بد له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لم يظهر فهو مضمر، كما قال الشاعر; "إن العقل .." البيت. أراد; إن يكن، فأضمرها. ولو جعلت " ما بكم " في معنى "الذي"; جاز ، وجعلت صلته "بكم"، والذي حينئذ; في موضع رفع، بقوله "فمن الله". وأدخل الفاء، كما قال تعالى; (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم). وكل اسم وصل، مثل من وما، والذي، فقد يجوز دخول الفاء في خبره؛ لأنه مضارع للجزاء، والعقل في البيت معناه; الدية.(13) البيتان من شعر الأعشى ميمون بن قيس (ديوانه طبع القاهرة ص 53) من قصيدة له سبعون بيتا، يمدح بها قيس ابن معد يكرب. والأييلي; الراهب صاحب الأيبل، وهو العصا التي يدق بها الناقوس. والهيكل; موضع في صدر الكنيسة، يقرب في القربان. صلب صور فيه الصليب. وفي اللسان صار;صور عن أبي علي الفارسي. ويلوح لي أن المراد بصور في البيت; هو ما قاله الأعشى في بيت آخر وهو قوله وفي وصف الخمر "وصلى على دنها وارتسم". ومعنى ارتسم; أشار بيده على جبهته وقلبه وصدره يمنة ويسرة، كما يفعل المسيحيون. وراوح بين العملين; تداول هذا مرة، وهذا مرة. وجأر إلى الله جؤارا; تضرع إليه بالدعاء والاستغاثة. يقول; ليس الراهب المعتكف في هيكله أمام صليبه، دائبا على صلواته سجوداً وتضرعاً إلى الله، بأعظم منه تقي في الحساب (خبر مِا; في البيت الذي بعد البيتين).
تفسير الآيتين 53 و 54 :ـوالله المنفرد بالعطاء والإحسان { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ } ظاهرة وباطنة { فَمِنَ اللَّهِ } لا أحد يشركه فيها، { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ } من فقر ومرض وشدة { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي: تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم، ويجحدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة
(الواو) استئنافيّة
(ما) موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ ،
(الباء) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف صلة ما
(من نعمة) جارّ ومجرور حال من الضمير العائد في الصلة- أو تمييز ما-
(الفاء) زائدة لمشابهة ما للشرط
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر ما
(ثمّ) حرف عطف
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بمضمون الجوابـ (مسّكم) فعل ماض.. و (كم) ضمير مفعول به
(الضرّ) فاعل مرفوع
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إلى) حرف جرّ و (الهاء)ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تجأرون) وهو مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعل.
جملة: «ما بكم من نعمة ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «مسّكم الضرّ ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «تجأرون ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم .
(ثمّ إذا كشف) مثل ثمّ إذا مسّكم
(الضرّ) مفعول به منصوبـ (عنكم) مثل بكم متعلّق بـ (كشف) ،
(إذا) فجائيّة
(فريق) مبتدأ مرفوع ،
(منكم) مثل بكم متعلّق بنعت لفريق
(بربّهم) جار ومجرور متعلّق بـ (يشركون) .. و (هم) مضاف إليه
(يشركون) مثل تجأرون.
وجملة: «كشف ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «فريق منكم.. يشركون» لا محلّ لها جواب شرط غير جازم وجملة: «يشركون» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(فريق) .
(اللام) لام العاقبة ،
(يكفروا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون.. و (الواو) فاعلـ (الباء) حرف جرّ
(ما) موصول في محلّ جرّ متعلّق بـ (يكفروا) ،
(آتيناهم) فعل ماض وفاعله.. و (هم) مفعول به.
والمصدر المؤوّلـ (أن يكفروا ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (يشركون) .(الفاء) استئنافيّة
(تمتّعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون ... و (الواو) فاعلـ (الفاء) تعليليّة
(سوف) حرف استقبالـ (تعلمون) مثل تجأرون.
وجملة: «يكفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «آتيناهم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «تمتّعوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «سوف تعلمون» لا محلّ لها تعليليّة.