وَعَلٰمٰتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
وَعَلٰمٰتٍؕ وَبِالنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
وجعل في الأرض معالم تستدلُّون بها على الطرق نهارًا، كما جعل النجوم للاهتداء بها ليلا.
وقوله "وعلامات" أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطرق. وقوله "وبالنجم هم يهتدون" أي في ظلام الليل قاله ابن عباس. وعن مالك في قوله "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" يقول النجوم وهي الجبال.
قوله تعالى ; وعلامات وبالنجم هم يهتدون فيه ثلاث مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; وعلامات قال ابن عباس ; العلامات معالم الطرق بالنهار ; أي جعل للطريق علامات يقع الاهتداء بها .وبالنجم هم يهتدون يعني بالليل ، والنجم يراد به النجوم . وقرأ ابن وثاب " وبالنجم " . الحسن ; بضم النون والجيم جميعا ومراده النجوم ، فقصره ; كما قال الشاعر ;إن الفقير بيننا قاض حكم أن ترد الماء إذا غاب النجموكذلك القول لمن قرأ " النجم " إلا أنه سكن استخفافا . ويجوز أن يكون النجم جمع نجم كسقف وسقف . واختلف في النجوم ; فقال الفراء ; الجدي والفرقدان . وقيل ; الثريا . قال الشاعر ;حتى إذا ما استقل النجم في غلس وغودر البقل ملوي ومحصودأي منه ملوي ومنه محصود ، وذلك عند طلوع الثريا يكون . وقال الكلبي ; العلامات الجبال . وقال مجاهد ; هي النجوم ; لأن من النجوم ما يهتدى بها ، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها ; وقاله قتادة والنخعي . وقيل ; تم الكلام عند قوله وعلامات ثم ابتدأ وقال ; وبالنجم هم يهتدون . وعلى الأول ; أي وجعل لكم علامات ونجوما تهتدون بها . ومن العلامات الرياح يهتدى بها . وفي المراد بالاهتداء قولان ; أحدهما ; في الأسفار ، وهذا قول الجمهور . الثاني ; في القبلة . وقال ابن عباس ; سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - ;[ ص; 84 ] وبالنجم هم يهتدون قال ; هو الجدي يا ابن عباس ، عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم ذكره الماوردي .الثانية ; قال ابن العربي ; أما جميع النجوم فلا يهتدي بها إلا العارف بمطالعها ومغاربها ، والفرق بين الجنوبي والشمالي منها ، وذلك قليل في الآخرين . وأما الثريا فلا يهتدي بها إلا من يهتدي بجميع النجوم . وإنما الهدى لكل أحد بالجدي والفرقدين ; لأنها من النجوم المنحصرة المطالع الظاهرة السمت الثابتة في المكان ، فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصلا ، فهي أبدا هدى الخلق في البر إذا عميت الطرق ، وفي البحر عند مجرى السفن ، وفي القبلة إذا جهل السمت ، وذلك على الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك الأيسر فما استقبلت فهو سمت الجهة .قلت ; وسأل ابن عباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النجم فقال ; هو الجدي عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم . وذلك أن آخر الجدي بنات نعش الصغرى والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينها .الثالثة ; قال علماؤنا ; وحكم استقبال القبلة على وجهين ; أحدهما ; أن يراها ويعاينها فيلزمه استقبالها وإصابتها وقصد جهتها بجميع بدنه . والآخر ; أن تكون الكعبة بحيث لا يراها فيلزمه التوجه نحوها وتلقاءها بالدلائل ، وهي الشمس والقمر والنجوم والرياح وكل ما يمكن به معرفة جهتها ، ومن غابت عنه وصلى مجتهدا إلى غير ناحيتها وهو ممن يمكنه الاجتهاد فلا صلاة له ; فإذا صلى مجتهدا مستدلا ثم انكشف له بعد الفراغ من صلاته أنه صلى إلى غير القبلة أعاد إن كان في وقتها ، وليس ذلك بواجب عليه ; لأنه قد أدى فرضه على ما أمر به . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " مستوفى والحمد لله
اختلف أهل التأويل في المعني بالعلامات، فقال بعضهم; عني بها معالم الطرق بالنهار.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) يعني بالعلامات; معالم الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون بالليل.وقال آخرون; عني بها النجوم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال; منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به .حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال; منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدى به.حدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.حدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال; ثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.قال المثنى; قال; ثنا إسحاق خالف قبيصة وكيعا في الإسناد.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) والعلامات; النجوم، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات; جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلَّف ما لا علم له به.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَعَلامَاتٍ ) قال النجوم.وقال آخرون; عني بها الجبال.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي ( وَعَلامَاتٍ ) قال; الجبال.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال; إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم ، وفجاج سبُلهم ، فداخل في قوله ( وَعَلامَاتٍ ) والطرق المسبولة; الموطوءة، علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدى بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم.فتأويل الكلام إذن; وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم. ونجوما تهتدون بها ليلا في سُبلكم.
تفسير الآيتين 15 و 16 :ـ أي: { وَأَلْقَى } الله تعالى لأجل عباده { فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق فيتمكنون من حرث الأرض والبناء والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا، يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارا على وجه الأرض، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا، أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة