الرسم العثمانيوَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَاصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ اِلَّا بِاللّٰهِ ۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِىۡ ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡكُرُوۡنَ
تفسير ميسر:
واصبر -أيها الرسول- على ما أصابك مِن أذى في الله حتى يأتيك الفرج، وما صبرك إلا بالله، فهو الذي يعينك عليه ويثبتك، ولا تحزن على مَن خالفك ولم يستجب لدعوتك، ولا تغتم مِن مكرهم وكيدهم؛ فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال.
وقوله تعالى "واصبر وما صبرك إلا بالله" تأكيد للأمر بالصبر وإخبار بأن ذلك لا ينال إلا بمشيئة الله وإعانته وحوله وقوته; ثم قال تعالى "ولا تحزن عليهم" أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك "ولا تك في ضيق" أي غم "مما يمكرون" أي مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم.
قوله تعالى ; واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرونفيه مسألة واحدة - قال ابن زيد ; هي منسوخة بالقتال . وجمهور الناس على أنها محكمة . أي اصبر بالعفو عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا في المثلة .ولا تحزن عليهم أي على قتلى أحد فإنهم صاروا إلى رحمة الله .ولا تك في ضيق مما يمكرون ضيق جمع ضيقة ; قال الشاعر ;كشف الضيقة عنا وفسحوقراءة الجمهور بفتح الضاد . وقرأ ابن كثير بكسر الضاد ، ورويت عن نافع ، وهو غلط ممن رواه . قال بعض اللغويين ; الكسر والفتح في الضاد لغتان في المصدر . قال الأخفش ; الضيق والضيق مصدر ضاق يضيق . والمعنى ; لا يضيق صدرك من كفرهم . وقال الفراء ; الضيق ما ضاق عنه صدرك ، والضيق ما يكون في الذي يتسع ويضيق ; مثل الدار والثواب . وقال ابن السكيت ; هما سواء ; يقال ; في صدره ضيق وضيق . القتبي ; ضيق مخفف ضيق ; أي لا تكن في أمر ضيق فخفف ; مثل هين وهين . وقال ابن عرفة ; يقال ضاق الرجل إذا بخل ، وأضاق إذا افتقر .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; واصبر يا محمد على ما أصابك من أذى في الله.( وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ ) يقول; وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله ، وتوفيقه إياك لذلك ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) يقول; ولا تحزن على هؤلاء المشركين الذين يكذّبونك وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) يقول; ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل ، ونسبتهم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة ، مما يمكرون; مما يحتالون بالخدع في الصّد عن سبيل الله ، من أراد الإيمان بك ، والتصديق بما أنـزل الله إليك.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء العراق ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ ) بفتح الضَّاد في الضيق على المعنى الذي وصفت من تأويله. وقرأه بعض قرّاء أهل المدينة ( وَلا تَكُ فِي ضِيقٍ ) بكسر الضاد.وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه في ضَيْقٍ ، بفتح الضاد، لأن الله تعالى إنما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يَضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغه إياهم وحي الله وتنـزيله، فقال له فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وقال; فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ، وإذ كان ذلك هو الذي نهاه تعالى ذكره، ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى ، تقول العرب; في صدري من هذا الأمر ضيق، وإنما تكسر الضاد في الشيء المعاش ، وضيق المسكن ، ونحو ذلك ؛ فإن وقع الضَّيق بفتح الضاد في موضع الضِّيق بالكسر. كان على الذي يتسع أحيانا ، ويضيق من قلة أحد وجهين، إما على جمع الضيقة، كما قال أعشى بني ثعلبة;فَلَئِـــنْ رَبُّــكَ مِــنْ رَحْمَتِــهِكَشَــف الضَّيْقَــةَ عَنَّــا وَفسَـحْ (3)والآخر على تخفيف الشيء الضَّيِّق، كما يخفف الهيِّن اللَّيِّن، فيقال; هو هَيْن لَيْن.------------------------الهوامش;(3) البيت في ديوان أعشى بني ثعلبة ميمون بن قيس (طبع القاهرة ص 237 ) من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، وهو الرابع في القصيدة. وفي (اللسان; ضيق ); الضيق; الشك يكون في القلب من قوله تعالى; (ولا تك في ضيق مما يمكرون); وقال الفراء; الضيق ما ضاق عنه صدرك. والضيق (بالكسر) ما يكون في الذي يتسع ويضيق، مثل الدار والثوب. وإذا رأيت الضيق (بالفتح ) قد وقع في موضع الضيق (بالكسر) كان على أحد أمرين; أحدهما أن يكون جمعا للضيقة كما قال الأعشى; فلئن ربك ... الخ البيت. والوجه الآخر; أن يراد به شيء ضيق، فيكون ضيق مخففا، وأصله التشديد، ومثله; هين ولين.
ثم أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس فقال: { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } هو الذي يعينك عليه ويثبتك. { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا. { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ } أي: شدة وحرج { مِمَّا يَمْكُرُونَ } فإن مكرهم عائد إليهم وأنت من المتقين المحسنين.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النحل١٦ :١٢٧
An-Nahl16:127