فَوَرَبِّكَ لَنَسْـَٔلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
فَوَرَبِّكَ لَـنَسۡــَٔلَـنَّهُمۡ اَجۡمَعِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
فوربك لنحاسبنَّهم يوم القيامة ولنجزينهم أجمعين، عن تقسيمهم للقرآن بافتراءاتهم، وتحريفه وتبديله، وغير ذلك مما كانوا يعملونه من عبادة الأوثان، ومن المعاصي والآثام. وفي هذا ترهيب وزجر لهم من الإقامة على هذه الأفعال القبيحة.
" فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " أولئك النفر الذين قالوا لرسول الله. وقال عبد الله هو ابن مسعود والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول; ابن آدم ماذا غرك منى بي؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟.
قوله تعالى ; فوربك لنسألنهم أجمعين[ ص; 55 ] قوله تعالى ; فوربك لنسألنهم أجمعين أي لنسألن هؤلاء الذين جرى ذكرهم عما عملوا في الدنيا . وفي البخاري ; وقال عدة من أهل العلم في قوله ; " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " عن لا إله إلا الله .قلت ; وهذا قد روي مرفوعا ، روى الترمذي الحكيم قال ; حدثنا الجارود بن معاذ قال حدثنا الفضل بن موسى عن شريك عن ليث عن بشير بن نهيك عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله ; فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال ; عن قول لا إله إلا الله قال أبو عبد الله ; معناه عندنا عن صدق لا إله إلا الله ووفائها ; وذلك أن الله - تعالى - ذكر في تنزيله العمل فقال ; عما كانوا يعملون ولم يقل عما كانوا يقولون ، وإن كان قد يجوز أن يكون القول أيضا عمل اللسان ، فإنما المعني به ما يعرفه أهل اللغة أن القول قول والعمل عمل . وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; عن لا إله إلا الله أي عن الوفاء بها والصدق لمقالها . كما قال الحسن البصري ; ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال . ولهذا ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل ; يا رسول الله ، وما إخلاصها ؟ قال ; أن تحجزه عن محارم الله . رواه زيد بن أرقم . وعنه أيضا قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئا إلا وجبت له الجنة قالوا ; يا رسول الله ، وما الذي يخلط بلا إله إلا الله ؟ قال ; حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها ، يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة . وروى أنس بن مالك قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم [ ص; 56 ] يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم . أسانيدها في نوادر الأصول .قلت ; والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم ، إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب ( التذكرة ) . فإن قيل ; وهل يسأل الكافر ويحاسب ؟ قلنا ; فيه خلاف وذكرناه في التذكرة . والذي يظهر سؤاله للآية وقوله ; وقفوهم إنهم مسئولون وقوله ; إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم . فإن قيل ; فقد قال - تعالى - ; ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقال ; فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وقال ; ولا يكلمهم الله ، وقال ; إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . قلنا ; القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك فيه . قال عكرمة ; القيامة مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها . وقال ابن عباس ; ( لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا ; لأن الله عالم بكل شيء ، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم ; لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه ؟ واعتمد قطرب هذا القول . وقيل ; لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين ; بيانه قوله - تعالى - ; ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم . والقول بالعموم أولى كما ذكر . والله أعلم .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عِضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، فيما أمرناهم به ، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنـزلته إليهم ، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان..وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال; سمعت ليثا، عن بشير، عن أنس، في قوله (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال; عن شهادة أن لا اله إلا الله.حدثنا أحمد بن إسحاق، قال; ثنا أبو أحمد، قال; ثنا شريك، عن ليث، عن بشير بن نهيك، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم; (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال; " عن لا إله إلا الله ".حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن ليث، عن بشير، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
تفسير الآيتين 92 و93 :ـ { فوربك لنسألنهم أجمعين } أي: جميع من قدح فيه وعابه وحرفه وبدله { عما كانوا يعملون } وفي هذا أعظم ترهيب وزجر لهم عن الإقامة على ما كانوا عليه
(الفاء) استئنافيّة
(الواو) واو القسم
(ربّك) مجرور بالواو متعلّق بفعل محذوف تقديره أقسم.. و (الكاف) مضاف إليه
(اللام) لام القسم
(نسألنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و (النون) للتوكيد، والفاعل نحن، و (هم) ضمير في محلّ نصب مفعول به
(أجمعين) توكيد للضمير الغائب منصوب ، وعلامة النصب الياء.
جملة: «
(أقسم) بربّك ... » لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «نسألنّهم ... » لا محلّ لها جواب القسم.
(عن) حرف جرّ
(ما) حرف مصدريّ ،
(كانوا) فعل ماض ناقص..
و (الواو) اسم كان
(يعملون) مضارع مرفوع، و (الواو) فاعل.
والمصدر المؤوّلـ (ما كانوا ... ) في محلّ جرّ متعلّق بـ (نسألنّهم) .
وجملة: «كانوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الحرفيّ.
وجملة: «يعملون ... » في محلّ نصب خبر كانوا.