إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحٰفِظُونَ
اِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا الذِّكۡرَ وَاِنَّا لَهٗ لَحٰـفِظُوۡنَ
تفسير ميسر:
إنَّا نحن نزَّلنا القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإنَّا نتعهد بحفظه مِن أن يُزاد فيه أو يُنْقَص منه، أو يضيع منه شيء.
وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى " له لحافظون " على النبي صلى الله عليه وسلم كقوله " والله يعصمك من الناس " والمعنى الأول أولى وهو ظاهر السياق.
قوله تعالى ; إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قوله تعالى ; إنا نحن نزلنا الذكر يعني القرآن .وإنا له لحافظون من أن يزاد فيه أو ينقص منه . قال قتادة وثابت البناني ; حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلا أو تنقص منه حقا ; فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا ، وقال في غيره ; بما استحفظوا ، فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا . أنبأنا الشيخ الفقيه الإمام أبو القاسم عبد الله عن أبيه الشيخ الفقيه الإمام المحدث أبي الحسن علي بن خلف بن معزوز الكومي التلمساني قال ; قرئ على الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري وذلك بمنزلها بدار السلام في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وستين وخمسمائة ، قيل لها ; أخبركم الشيخ الأجل العامل نقيب النقباء أبو الفوارس طراد بن محمد الزيني قراءة عليه وأنت تسمعين سنة تسعين وأربعمائة ، أخبرنا علي بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المعروف بالطوماري حدثنا الحسين بن فهم قال ; سمعت يحيى بن أكثم يقول ; كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلس نظر ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة ، قال ; فتكلم فأحسن الكلام والعبارة ، قال ; فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له ; إسرائيلي ؟ قال نعم . قال له ; أسلم حتى أفعل بك وأصنع ، ووعده . فقال ; ديني ودين آبائي ! وانصرف . قال ; فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما ، قال ; فتكلم على الفقه فأحسن الكلام ; فلما تقوض المجلس دعاه [ ص; 7 ] المأمون وقال ; ألست صاحبنا بالأمس ؟ قال له ; بلى . قال ; فما كان سبب إسلامك ؟ قال ; انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان ، وأنت تراني حسن الخط ، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت ، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني ، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت ، وأدخلتها البيعة فاشتريت مني ، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت ، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها ، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها ; فعلمت أن هذا كتاب محفوظ ، فكان هذا سبب إسلامي . قال يحيى بن أكثم ; فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي ; مصداق هذا في كتاب الله - عز وجل - . قال قلت ; في أي موضع ؟ قال ; في قول الله - تبارك وتعالى - في التوراة والإنجيل ; بما استحفظوا من كتاب الله ، فجعل حفظه إليهم فضاع ، وقال - عز وجل - ; إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فحفظه الله - عز وجل - علينا فلم يضع . وقيل ; وإنا له لحافظون أي لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من أن يتقول علينا أو نتقول عليه . أو وإنا له لحافظون من أن يكاد أو يقتل . نظيره والله يعصمك من الناس . ونحن نجوز أن يكون موضعه رفعا بالابتداء " ونزلنا " الخبر . والجملة خبر إن . ويجوز أن يكون نحن تأكيدا لاسم إن في موضع نصب ، ولا تكون فاصلة لأن الذي بعدها ليس بمعرفة وإنما هو جملة ، والجمل تكون نعوتا للنكرات فحكمها حكم النكرات .
يقول تعالى ذكره; ( إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ ) وهو القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال; وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه ، والهاء في قوله; ( لَهُ ) من ذكر الذكر.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، وحدثني الحسن، قال; ثنا شبابة، قال; ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال; ثنا أبو حذيفة قال; ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال; عندنا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، قال في آية أخرى لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ والباطل; إبليس مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ فأنـزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينتقص منه حقا، حفظه الله من ذلك.حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال; حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو ينقص منه حقا ، وقيل; الهاء في قوله ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى; وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه.
( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ ) أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم.
(إنّ) حرف توكيد ونصب.. و (نا) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(نحن) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ .
(نزّلنا) فعل ماض وفاعله
(الذكر) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(إنّا) مثل الأولـ (اللام)حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (حافظون) ،
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(حافظون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو. جملة: «إنّا نحن نزّلنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «نحن نزّلنا ... » في محلّ رفع خبر إنّ. وجملة: «نزّلنا ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ نحن. وجملة: «إنّا له لحافظون» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.