وَإِن كَانَ أَصْحٰبُ الْأَيْكَةِ لَظٰلِمِينَ
وَاِنۡ كَانَ اَصۡحٰبُ الۡاَيۡكَةِ لَظٰلِمِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
وقد كان أصحاب المدينة الملتفة الشجر -وهم قوم شعيب- ظالمين لأنفسهم لكفرهم بالله ورسولهم الكريم، فانتقمنا منهم بالرجفة وعذاب يوم الظلة، وإن مساكن قوم لوط وشعيب لفي طريق واضح يمرُّ بهما الناس في سفرهم فيعتبرون.
أصحاب الأيكة هم قوم شعيب قال الضحاك وقتادة وغيرهما الأيكة الشجر الملتف وكان ظلمهم بشركهم بالله وقطعهم الطريق ونقصهم المكيال والميزان.
وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين يريد قوم شعيب ، كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر مثمر . والأيكة ; الغيضة ، وهي جماعة الشجر ، والجمع الأيك . ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل . قال النابغة ;تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردا أسف لثاته بالإثمدوقيل ; الأيكة اسم القرية . وقيل اسم البلدة . وقال أبو عبيدة ; الأيكة وليكة مدينتهم ، بمنزلة بكة من مكة . وتقدم خبر شعيب وقومه .وإنهما لبإمام مبين أي بطريق واضح في نفسه ، يعني مدينة قوم لوط وبقعة أصحاب الأيكة يعتبر بهما من يمر عليهما .
يقول تعالى ذكره; وقد كان أصحاب الغَيْضة ظالمين، يقول; كانوا بالله كافرين ، والأيكة; الشجر الملتف المجتمع، كما قال أمية;كَبُكـــا الحَمــامِ عَــلى فُــرُوعِ الأَيْــكِ فــي الغُصُـنِ الجَـوَانِحْ (2)وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال; ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، قال، قوله ( أَصْحَابُ الأَيْكَةِ ) قال; الشجر، وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة، وفي الشتاء اليابسة.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال ; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ) ذكر لنا أنهم كانوا أهل غيضة. وكان عامَّة شجرهم هذا الدَّوْم. وكان رسولهم فيما بلغنا شُعَيب صلى الله عليه وسلم، أرسل إليهم وإلى أهل مدين، أرسل إلى أمتين من الناس، وعذّبتا بعذابين شتى. أما أهل مدين، فأخذتهم الصيحة ، وأما أصحاب الأيكة، فكانوا أهل شجر متكاوس ، ذُكر لنا أنه سلَّط عليهم الحرّ سبعة أيام، لا يظللهم منه ظلّ ، ولا يمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة، فحَلُّوا تحتها يلتمسون الرَّوْح فيها ، فجعلها الله عليهم عذابا، بعث عليهم نارا فاضطرمت عليهم فأكلتهم ، فذلك عذاب يوم الظلَّة، إنه كان عذاب يوم عظيم.حدثني المثنى، قال; ثنا إسحاق، قال; ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال; ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال; أصحاب الأيكة; أصحاب غَيْضَة.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين ، قال; ثني حجاج، قال; قال ابن جريج، قوله ( وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ) قال; قوم شعيب ، قال ابن عباس; الأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول; في قوله ( أصحَابُ الأَيْكَةِ ) قال; هم قوم شعيب، والأيكة; الغيضة.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة، أنه قال; إن أصحاب الأيكة، والأيكة; الشجر الملتفّ.------------------------الهوامش;(2) البيت لأمية بن أبي الصلت الثقفي ، ولم أجده في ديوانه ، ووجدته في سيرة ابن هشام ( 3 ; 31 طبعة الحلبي ) من قصيدة له يرثي بها قتلى بدر وأولها أَلاَّ بَكَــــيْتِ عَـــلى الكِـــرَامِ بَنِــي الكِــرَامِ أُولــي المَمـادِحْكبكا الحمام ... البيت . والأيك ; الشجر الملتف ، واحدته أيكة ، والجوانح ; الموائل . يقول ; جنح ; إذا مال . وفي ( اللسان أيك ) ; الأيكة ; الشجر الكثير الملتف . وقيل ; هي الغيضة تنبت السد والأراك ونحوهما من ناعم الشجر ، وخص بعضهم به منت الأثل ومجتمعه .
تفسير الآيتين 78 و79 :ـ وهؤلاء هم قوم شعيب، نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة، وهو البستان كثير الأشجار، ليذكر نعمته عليهم، وأنهم ما قاموا بها بل جاءهم نبيهم شعيب، فدعاهم إلى التوحيد، وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين، وعاجلهم على ذلك على أشد المعالجة فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق، وفي حق الخلق، ولهذا وصفهم هنا بالظلم، { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم. { وَإِنَّهُمَا } أي: ديار قوم لوط وأصحاب الأيكة { لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ } أي: لبطريق واضح يمر بهم المسافرون كل وقت، فيبين من آثارهم ما هو مشاهد بالأبصار فيعتبر بذلك أولوا الألباب.
(إن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف
(كان) فعل ماض ناقص- ناسخ-
(أصحاب) اسم كان مرفوع
(الأيكة) مضاف إليه مجرور
(اللام) هي الفارقة
(ظالمين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «
(إن) هـ كان ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كان أصحاب ... » في محلّ رفع خبر
(إن) المخففة.
(الفاء) عاطفة
(انتقمنا) فعل ماض وفاعله
(من) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (انتقمنا) ،
(الواو) استئنافيّة
(إنّهما) حرف مشبّه بالفعل، و (هما) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ ،
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(بإمام) جارّ ومجرور متعلّق بخبر إنّ
(مبين) نعت لإمام مجرور مثله.
وجملة: «انتقمنا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف السابقة.
وجملة: «إنّهما لبإمام ... » لا محلّ لها استئنافيّة.