أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنٰتِ فَرَدُّوٓا أَيْدِيَهُمْ فِىٓ أَفْوٰهِهِمْ وَقَالُوٓا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
اَلَمۡ يَاۡتِكُمۡ نَبَـؤُا الَّذِيۡنَ مِنۡ قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوۡحٍ وَّعَادٍ وَّثَمُوۡدَ ۛؕ وَالَّذِيۡنَ مِنۡۢ بَعۡدِهِمۡ ۛؕ لَا يَعۡلَمُهُمۡ اِلَّا اللّٰهُؕ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُمۡ بِالۡبَيِّنٰتِ فَرَدُّوۡۤا اَيۡدِيَهُمۡ فِىۡۤ اَفۡوَاهِهِمۡ وَقَالُوۡۤا اِنَّا كَفَرۡنَا بِمَاۤ اُرۡسِلۡـتُمۡ بِهٖ وَاِنَّا لَفِىۡ شَكٍّ مِّمَّا تَدۡعُوۡنَـنَاۤ اِلَيۡهِ مُرِيۡبٍ
تفسير ميسر:
ألم يأتكم -يا أمَّة محمد- خبر الأمم التي سبقتكم، قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، والأمم التي بعدهم، لا يحصي عددهم إلا الله، جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحات، فعضُّوا أيديهم غيظًا واستنكافًا عن قَبول الإيمان، وقالوا لرسلهم; إنا لا نصدِّق بما جئتمونا به، وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه من الإيمان والتوحيد موجب للريبة.
قال ابن جرير; هذا من تمام قول موسى لقومه يعني وتذكيره إياهم بأيام الله بانتقامه من الأمم المكذبة بالرسل وفيما قال ابن جرير نظر والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة فإنه قد قيل إن قصة عاد وثمود ليست من التوراة فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصصه عليهم لا شك أن تكون هاتان القصتان في التوراة والله أعلم وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل مما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل " جاءتهم رسلهم بالبينات " أى بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات وقال ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله أنه قال في قوله " لا يعلمهم إلا الله " كذب النسابون.وقال عروة بن الزبير وما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان وقوله " فردوا أيديهم في أفواههم " اختلف المفسرون في معناه قيل معناه أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم بالسكوت عنهم لما دعوهم إلى الله عز وجل وقيل بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبا لهم وقيل بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل.وقال مجاهد ومحمد بن كعب وقتادة معناه أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم قال ابن جرير; وتوجيهه أن في هنا بمعنى الباء قال وقد سمع من العرب أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة وقال الشاعر; وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب يريد أرغب بها قلت ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام " وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب " فكان هذا والله أعلم تفسير لمعنى " فردوا أيديهم في أفواههم " وقال سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله " فردوا أيديهم في أفواههم " قال عضوا عليها غيظا وقال شعبة عن أبي إسحاق أبي هبيرة ابن مريم عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا.وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ووجهه ابن جرير مختارا له بقوله تعالى عن المنافقين " وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " وقال العوفي عن ابن عباس لما سمعوا كلام الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به الآية يقولون لا نصدقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكا قويا.
قوله تعالى ; ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود النبأ الخبر ، والجمع الأنباء ; قال ;ألم يأتيك والأنباء تنميثم قيل ; هو من قول موسى . وقيل ; من قول الله ; أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا . [ ص; 301 ] وقيل ; هو ابتداء خطاب من الله تعالى . وخبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصه الله في كتابه .وقوله ; والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله أي لا يحصي عددهم إلا الله ، ولا يعرف نسبهم إلا الله ، والنسابون وإن نسبوا إلى آدم فلا يدعون إحصاء جميع الأمم ، وإنما ينسبون البعض ; ويمسكون عن نسب البعض ; وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن عدنان ثم زادوا فقال ; كذب النسابون إن الله يقول ; لا يعلمهم إلا الله . وقد روي عن عروة بن الزبير أنه قال ; ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل . وقال ابن عباس ; بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون . وكان ابن مسعود يقول حين يقرأ ; لا يعلمهم إلا الله . كذب النسابون .جاءتهم رسلهم بالبينات أي بالحجج والدلالات .فردوا أيديهم في أفواههم أي جعل أولئك القوم أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظا مما جاء به الرسل ; إذ كان فيه تسفيه أحلامهم ، وشتم أصنامهم ; قاله ابن مسعود ، ومثله قاله عبد الرحمن بن زيد ; وقرأ ; عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . وقال ابن عباس ; لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم . وقال أبو صالح ; كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم ; أن اسكت ، تكذيبا له ، وردا لقوله ; وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى . والضميران للكفار ; والقول الأول أصحها إسنادا ; قال أبو عبيد ; حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله تعالى ; فردوا أيديهم في أفواههم قال ; عضوا عليها غيظا ; وقال الشاعر ;لو أن سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويديوبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليدوقد مضى هذا المعنى في " آل عمران " مجودا ، والحمد لله . وقال مجاهد وقتادة ; ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم ; فالضمير الأول للرسل ، والثاني للكفار . وقال الحسن وغيره ; جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردا لقولهم ; فالضمير الأول على هذا للكفار ، والثاني للرسل . وقيل معناه ; أومئوا للرسل أن يسكتوا . وقال مقاتل ; أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم . وقيل ; رد الرسل أيدي القوم في أفواههم . وقيل ; إن الأيدي هنا النعم ; أي ردوا نعم الرسل بأفواههم ، أي بالنطق والتكذيب ، ومجيء الرسل بالشرائع نعم ; والمعنى ; كذبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل . و " في " بمعنى الباء ; [ ص; 302 ] يقال ; جلست في البيت وبالبيت ; وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض . وقال أبو عبيدة ; هو ضرب مثل ; أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا ; والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت ; قد رد يده في فيه . وقاله الأخفش أيضا . وقال القتبي ; لم نسمع أحدا من العرب يقول ; رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به ; وإنما المعنى ; عضوا على الأيدي حنقا وغيظا ; لقول الشاعر ;تردون في فيه غش الحسو د حتى يعض علي الأكفايعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه . وقال آخر ;قد أفنى أنامله أزمة فأضحى يعض علي الوظيفاوقالوا ; - يعني الأمم للرسل ;وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به أي بالإرسال على زعمكم ، لا أنهم أقروا أنهم أرسلوا .وإنا لفي شك أي في ريب ومرية .مما تدعوننا إليه من التوحيد ." مريب " أي موجب للريبة ; يقال ; أربته إذ فعلت أمرا أوجب ريبة وشكا ; أي نظن أنكم تطلبون الملك والدنيا .
قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره ، مخبرًا عن قيل موسى لقومه; يا قوم ( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ) ، يقول; خبر الذين من قبلكم من الأمم التي مضت قبلكم (19) ( قومِ نوح وعاد وثمودَ ) ، وقوم نوح مُبيَّنٌ بهم عن " الذين " ، (20) و " عاد " معطوف بها على " قوم نوح " ،( والذين من بعدهم ) ، يعني من بعد قوم نوح وعاد وثمود ( لا يعلمهم إلا الله ) ، يقول; لا يحصي عَدَدهم ولا يعلَمُ مبلغهم إلا الله، كما ; -20590- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون; ( وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) ، قال; كذَب النسَّابون. (21)20591- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، بمثل ذلك.20592- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال ، حدثنا ابن مسعود ، أنه كان يقرؤها; " وَعَادًا وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا الله " ، ثم يقول; كذب النسابون.20593- حدثني ابن المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عيسى بن جعفر ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، مثله. (22)* * *وقوله; ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) ، يقول; جاءت هؤلاء الأمم رسلُهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له " بالبينات " ، يعني بحججٍ ودلالاتٍ على حقيقة ما دعوهم إليه من مُعْجِزاتٍ. (23)* * *وقوله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم; معنى ذلك; فعضُّوا على أصابعهم ، تغيُّظًا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دَعَوهم إليه.* ذكر من قال ذلك;20594- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; عضوا عليها تغيُّظًا.20595- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; غيظًا ، هكذا ، وعضَّ يده.20596- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; عضُّوها. (24)20597- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء البصريّ قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قول الله عز وجل; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; عضوا على أصابعهم. (25)20598- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; عضوا على أطراف أصابعهم. (26)20599- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; أن يجعل إصْبعه في فيه.20600- حدثنا الحسن بن محمد ، قالا حدثنا أبو قطن قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله في قول الله عز وجلّ; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، ووضع شُعبة أطرافَ أنامله اليُسرى على فيه.20601- حدثنا الحسن قال ، حدثنا يحيى بن عباد قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن هبيرة قال ، قال عبد الله ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; هكذا ، (27) وأدخل أصابعه في فيه.20602- حدثنا الحسن قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا شعبة ، قال أبو إسحاق; أنبأنا عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال أبو علي; وأرَانا عفان ، وأدخل أطراف أصابع كفّه مبسوطةً في فيه ، وذكر أن شعبة أراه كذلك. (28)20603- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; عضُّوا على أناملهم. وقال سفيان; عضُّوا غيظًا. (29)20604- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، فقرأ; عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران ; 119 ] ، قال; هذا ، ( ردُّوا أيديهم في أفواههم ). (30) قال; أدخلوا أصابعهم في أفواههم . وقال; إذا اغتاظ الإنسان عضَّ يده.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك; أنهم لما سمعوا كتابَ الله عجبوا منه ، ووضعوا أيديهم على أفواههم.* ذكر من قال ذلك;20605- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; لما سمعوا كتابَ الله عجِبُوا ورَجَعوا بأيديهم إلى أفواههم.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك أنهم كذبوهم بأفواههم.* ذكر من قال ذلك;20606- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; ردوا عليهم قولهم وكذَّبوهم.20607- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.20608- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.20609- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله; ( جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ) ، يقول; قومُهم كذّبوا رسلهم وردُّوا عليهم ما جاءوا به من البينات ، وردُّوا عليهم بأفواههم ، وقالوا; إنا لفي شك مما تَدعوننا إليه مُرِيب.20610- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله; ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال; ردوا على الرسل ما جاءت به.* * *قال أبو جعفر ; وكأنّ مجاهدًا وجَّه قوله; ( فردُّوا أيديهم في أفواههم ) ، إلى معنى; ردُّوا أيادي الله التي لو قبلوها كانت أياديَ ونعمًا عندهم ، فلم يقبلوها ووجَّه قوله; ( في أفواههم ) ، إلى معنى; بأفواههم ، يعني; بألسنتهم التي في أفواههم (31) .* * *وقد ذكر عن بعض العرب سَماعًا; " أدخلك الله بالجنَّة " ، يعنون; في الجنة ، وينشد هذا البيت (32)وَأَرْغَـبُ فِيهَـا عَـنْ لَقِيـطٍ وَرَهْطِـهِوَلَكِـنَّنِي عَـنْ سِـنْبِسٍ لَسْـتُ أَرْغَبُ (33)يريد; وأرغب بها ، يعنى بابنة له، (34) عن لقيط ، ولا أرغبُ بها عن قبيلتي.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك أنهم كانوا يَضَعُون أيديهم على أفواه الرّسل ردًّا عليهم قولَهم ، وتكذيبًا لهم.* * *وقال آخرون; هذا مَثَلٌ ، وإنما أُرِيد أنهم كفُّوا عَمَّا أُمروا بقَوْله من الحق ، (35) ولم يؤمنوا به ولم يسلموا. وقال; يقال لِلرَّجل إذا أمسَك عن الجواب فلم يجبْ; " ردّ يده في فمه ". وذكر بعضهم أن العرب تقول; " كلمت فلانًا في حاجة فرَدّ يدَه في فيه " ، إذا سكت عنه فلم يجب. (36)* * *قال أبو جعفر ; وهذا أيضًا قول لا وَجْه له ، لأن الله عزَّ ذكره ، قد أخبر عنهم أنهم قالوا; " إنا كفرنا بما أرسلتم به " ، فقد أجابوا بالتكذيب.* * *قال أبو جعفر;-وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية ، القولُ الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود; أنهم ردُّوا أيديهم في أفواههم ، فعضُّوا عليها ، غيظاً على الرسل ، كما وصف الله جل وعز به إخوانهم من المنافقين ، فقال; وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران ; 119 ]. فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من " ردِّ اليدِ إلى الفم ".* * *وقوله; ( وقالوا إنّا كفرنا بمَا أرسلتم به ) ، يقول عز وجل; وقالوا لرسلهم; إنا كفرنا بما أرسلكم به مَنْ أرسلكم ، من الدعاء إلى ترك عبادة الأوثان والأصنام (وإنا لفي شك) من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله ( مُريب ) ، يقول; يريبنا ذلك الشك ، أي يوجب لنا الريبَة والتُّهمَةَ فيه .* * *يقال منه; " أرابَ الرجل " ، إذا أتى بريبة ، " يُريبُ إرابةً". (37)------------------------الهوامش ;(19) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف 15 ; 147 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(20) في المطبوعة والمخطوطة ; " وقوم عاد فبين بهم عن الذين " ، وهذا كلام لا معنى له ، وإنما سها الناسخ ، ومراده أن " قوم نوح " ، بدل من " الذين " ، و " التبيين " ، هو البدل ، ذكر ذلك الأخفش ( همع الهوامع 2 ; 125 ) . ويقال له أيضًا " التفسير " ، كما أسلفت في الجزء 12 ; 7 ، تعليق ; 1 ، ويقال له أيضًا ; " التكرير " ، ( همع الهوامع 2 ; 125 ) .(21) الآثار ; 20590 - 20593 - خرجها السيوطي في الدر المنثور 4 ; 71 ، وزاد نسبته إلى عبيد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم .وإسناد هذا الخبر صحيح .(22) الأثر ; 20593 - " ابن المثنى " ، هو " محمد بن المثنى العنزي " ، الحافظ ، المعروف بالزمن ، شيخ الطبري ، روي عنه ما لا يحصى كثرة ، مضى مرارًا ، انظر ; 2734 ، 2740 ، 5440 ، 10314 .و " عيسى بن جعفر " ، هذا خطأ لا شك فيه ، وإنما الصواب " محمد بن جعفر الهذلي " ، وهو " غندر " ، روي عند " ابن المثنى " في مواضع من التفسير لا تعد كثرة ، انظر ما سلف من الأسانيد مثلا ; 35 ، 101 ، 194 ، 208 ، 419 ، في الجزء الأول من التفسير ، وفي الجزء الثامن ; 8761 ، 8810 ، 8863 ، 8973 ، وفيه " المثنى " ، وصوابه " ابن المثنى " . وغير هذه كثير .(23) انظر تفسير " البينات " فيما سلف 13 ; 14 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .هذا ، وكان في المطبوعة ; " يعني بالحجج الواضحات ، والدلالات البينات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه معجزات " ، زاد في الكلام غثاء كثيرًا ، كأنه غمض عليه نص أبي جعفر ، فأراد أن يوضحه بما ساء وناء .(24) الآثار ; 20594 - 20596 - خبر " سفيان الثوري ، عن أبي إسحق " ، أخرجه الحاكم في المستدرك 2 ; 351 ، من طريق عبد الرزاق ، وهو هنا رقم ; 20595 ، ولفظه في المستدرك ;" قال عبد الله كذا ، وردَّ يده في فيه ، وعضَّ يده ، وقال ; عضُّوا على أصابعهم غيظًا " .قال الحاكم ; " هذا حديث صحيح بالزيادة على شرطهما " ، ووافقه الذهبي .وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 ; 72 ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق ، والفريابي ، وأبي عبيد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 ; 43 ، وقال ; رواه الطبراني عن شيخه ، عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، وهو ضعيف " . ولم يذكر هو ولا السيوطي الحديث بزيادة الحاكم .وسيأتي الخبر عن " سفيان الثوري " و " إسرائيل " برقم ; 20603 .(25) الأثر ; 20597 - " إسرائيل " ، هو " إسرائيل بن يونس بن أبي إسحق السبيعي " ، روى عن جده ، ومضى مرارًا كثيرة لا تعد .و " عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني البصري " ، ثقة ، كان حسن الحديث عن " إسرائيل " سلفت ترجمته برقم ; 2814 ، 2939 ، 16973 .وهذا الخبر ، رواه الحاكم في المستدرك ، من طريق ; " عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل " ،وقال ; " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي ، وسيأتي من طريق أبي أحمد الزبيري ، عن إسرائيل ، وسفيان جميعًا برقم ; 20603 . وانظر تخريج الآثار السالفة .(26) الأثر ; 20598 - هذه طريق ثالثة لخبر أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ; " شريك ، عن أبي إسحق ; عن أبي الأحوص ، عن عبد الله " ، . وانظر الآثار السالفة .(27) " قال هكذا " ، أي أشار . وقد سلف مرارًا تفسير " قال " بهذا المعنى .(28) الآثار ; 20599 - 20602 - هذه الثلاثة ، طريق أخرى لخبر عبد الله بن مسعود ، من حديث هبيرة عنه .و " أبو قطن " ، هو " عمرو بن الهثيم بن قطن الزبيري " ، " أبو قطن البصري " ، ثقة ، في الطبقة الرابعة من أصحاب شعبة . مضى برقم ; 18674 ، 20091 ، 20420 .و " يحيى بن عباد الضبعي " ، " أبو عباد " ، من شيوخ أحمد ، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، ثقة ، ولكنه ضعيف . مضى برقم ; 20010 ، 20091و " هبيرة بن مريم الشبامي " ، تابعي ثقة ، لم يرو عنه غير أبي إسحق السبيعي ، مضى برقم ; 3001 ، 5468 .(29) الأثر ; 20603 - انظر التعليق على الآثار السالفة.(30) في المطبوعة ; " وقال ; معنى ; ردوا أيديهم في أفواههم " ، عبث باللفظ وأساء غاية الإساءة .(31) انظر ما سلف ; 515 ، تعليق ; 6 .(32) لم أعرف قائله . ومنشده هو الفراء ، كما في اللسان ( فيا ) .(33) اللسان ( فيا ) ، وسيأتي في التفسير 17 ; 105 ( بولاق ) وأنشده في اللسان عن الفراء ;وأَرغـبُ فيهـا عـن عُبَيْـدٍ ورَهْطِهِولكـنْ بِهَـا عـن سِنْبسٍ لستُ أَرغَبُ(34) كان في المطبوعة ; " يريد ; وأرغب فيها ، يعني أرغب بها عن لقيط " ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأن فيها " وأرغب فيها " مكان " وأرغب بها " ، ولأنه كتبت " بابنت " بتاء مفتوحة ، وغير منقوطة فضل ، فتصرف ، فأضل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .(35) في مجاز القرآن لأبي عبيدة " بقوله " ، مكان " بقبوله " فأثبته ، ولم أثبت ما في المخطوطة والمطبوعة ، وما وافقهما في فتح الباري ( 8 ; 285 ) ، لأن قول أبي جعفر بعد ; " لأن الله عز وجل قد أخبر عنهم أنهم قالوا ... " ، دليل على صوابه .(36) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 ; 336 ، ولكنه في المطبوع من مجاز القرآن مختصر جدًا ، وكأن هذا الموضع من " مجاز القرآن " مضطرب وفيه خروم ، كما أسلفت بيان ذلك في ص ; 519 تعليق رقم ; 2 .(37) انظر تفسير " الريب " فيما سلف من فهارس اللغة ( ريب) ، وتفسير " الإرابة فيما سلف 15 ; 370 ، 493 .
يقول تعالى مخوفا عباده ما أحله بالأمم المكذبة حين جاءتهم الرسل، فكذبوهم، فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها، ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ ) من كثرتهم وكون أخبارهم اندرست. فهؤلاء كلهم ( جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي: بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به، فلم يرسل الله رسولا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها، ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ) أي: لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ( وَقَالُوا ) صريحا لرسلهم: ( إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) أي: موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا.
(الهمزة) للاستفهام
(لم) حرف نفي وجزم
(يأتكم) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلّة.. و (كم) ضمير مفعول به
(نبأ) فاعل مرفوع
(الّذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(من قبلكم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول.. و (كم) مضاف إليه
(قوم) بدل من الموصول مجرور
(نوح) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة في المواضع الآتية
(عاد، ثمود، الذين) أسماء معطوفة على قوم بحروف العطف ،
(من بعدهم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول.. و (هم) مضاف إليه
(لا) نافية
(يعلمهم) مضارع مرفوع.. و (هم) ضمير مفعول به
(إلّا) أداة حصر
(الله)لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(جاءت) فعل ماض، و (التاء) للتأنيث و (هم) ضمير مفعول به
(رسلهم) فاعل مرفوع، و (هم) مضاف إليه
(بالبيّنات) جارّ ومجرور متعلّق بحال من رسلهم
(الفاء) عاطفة
(ردّوا) فعل ماض وفاعله
(أيديهم) مفعول به منصوب و (هم) مضاف إليه
(في أفواههم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ردّوا) بتضمينه معنى وضعوا و (هم) مثل الأخير
(الواو) عاطفة
(قالوا) مثل ردّوا
(إنّا) حرف مشبّه بالفعل.. و (نا) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(كفرنا) فعل ماض وفاعله
(الباء) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (كفرنا) ،
(أرسلتم) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على السكون.. و (تم) ضمير نائب الفاعلـ (الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بفعل أرسلتم
(إنّا) مثل الأولـ (اللام) المزحلقة
(في شكّ) جار ومجرور متعلّق بخبر إنّ
(ممّا) مثل بما متعلّق بشكّ ،
(إليه) مثل به متعلّق بـ (تدعوننا) وهو مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. و (الواو) فاعل، و (نا) ضمير مفعول به
(مريب) نعت لشكّ مجرور مثله.
جملة: «لم يأتكم نبأ ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يعلمهم إلّا الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «جاءتهم رسلهم ... » لا محلّ لها تفسير للنبأ .
وجملة: «ردّوا أيديهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جاءتهم رسلهم.
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ردّوا ...وجملة: «إنّا كفرنا ... » في محلّ نصب مقول القول.وجملة: «كفرنا ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «أرسلتم به ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.
وجملة: «إنّا لفي شك ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: «تدعوننا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.