الرسم العثمانيوَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ
الـرسـم الإمـلائـيوَقَدۡ مَكَرُوۡا مَكۡرَهُمۡ وَعِنۡدَ اللّٰهِ مَكۡرُهُمۡؕ وَاِنۡ كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُوۡلَ مِنۡهُ الۡجِبَالُ
تفسير ميسر:
وقد دبَّر المشركون الشرَّ للرسول صلى الله عليه وسلم بقتله، وعند الله مكرهم فهو محيط به، وقد عاد مكرهم عليهم، وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ولا غيرها لضعفه ووَهَنه، ولم يضرُّوا الله شيئًا، وإنما ضرُّوا أنفسهم.
وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن رباب أن عليا رضي الله عنه قال فى هذه الآية " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " قال أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا قال فأوثق رِجل كل واحد منهما بوتِد إلى تابوت وجوعهما وقعد هو ورجل آخر فى التابوت قال ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم فطارا وجعل يقول لصاحبه انظر ما ترى قال أرى كذا وكذا حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب.قال فصوِّب العصا فصوبها فهبطا جميعا قال فهو قوله عز وجل " وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال " قال أبو إسحاق وكذلك هي في قراءة عبد الله " وإن كاد مكرهم " قلت وكذا روي عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قرآ " وإن كاد " كما قرأ علي وكذا رواه سفيان الثوري لإسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن رباب عن علي فذكر نحوه وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط فى بناء الصرح فعجزا وضعفا وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر ; وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها نودي أيها الطاغية أين تريد ؟ ففرق ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح فصوبت النسور ففزعت الجبال من هدتها وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك فذلك قوله " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها " لتزول منه الجبال " بفتح اللام الأولى وضم الثانية وروى العوفي عن ابن عباس في قوله " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " يقول ما كان مكرهم لتزول منه الجبال وكذا قال الحسن البصري ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها وإنما عاد وبال ذلك عليهم قلت ويشبه هذا قول الله تعالى " ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا " والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " يقول شركهم كقوله " تكاد السموات يتقطرن منه " الآية.وهكذا قال الضحاك وقتادة.
قوله تعالى ; وقد مكروا مكرهم أي بالشرك بالله وتكذيب الرسل والمعاندة ; عن ابن عباس وغيره .وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " إن " بمعنى " ما " أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه ;وإن بمعنى " ما " في القرآن في مواضع خمسة ; أحدها هذا . الثاني ; فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك . الثالث ; لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا [ ص; 334 ] أي ما كنا . الرابع ; قل إن كان للرحمن ولد . الخامس ; ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه . وقرأ الجماعة " وإن كان " بالنون . وقرأ عمرو بن علي وابن مسعود وأبي " وإن كاد " بالدال . والعامة على كسر اللام في لتزول على أنها لام الجحود وفتح اللام الثانية نصبا . وقرأ ابن محيصن وابن جريج والكسائي لتزول بفتح اللام الأولى على أنها لام الابتداء ورفع الثانية وإن مخففة من الثقيلة ، ومعنى هذه القراءة استعظام مكرهم ; أي ولقد عظم مكرهم حتى كادت الجبال تزول منه ; قال الطبري ; الاختيار القراءة الأولى ; لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة ; قال أبو بكر الأنباري ; ولا حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدثناه أحمد بن الحسين ; حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن دانيل قال سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول ; إن جبارا من الجبابرة قال لا أنتهي حتى أعلم من في السماوات ، فعمد إلى فراخ نسور ، فأمر أن تطعم اللحم ، حتى اشتدت وعضلت واستعلجت أمر بأن يتخذ تابوت يسع فيه رجلين ; وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته ، وأن يستوثق من أرجل النسور بالأوتاد ; وتشد إلى قوائم التابوت ، ثم جلس هو وصاحب له في التابوت وأثار النسور ، فلما رأت اللحم طلبته ، فجعلت ترفع التابوت حتى بلغت به ما شاء الله ; فقال الجبار لصاحبه ; افتح الباب فانظر ما ترى ؟ فقال ; أرى الجبال كأنها ذباب ، فقال ; أغلق الباب ; ثم صعدت بالتابوت ما شاء الله أن تصعد ، فقال الجبار لصاحبه ; افتح الباب فانظر ما ترى ؟ فقال ; ما أرى إلا السماء وما تزداد منا إلا بعدا ، فقال ; نكس العصا فنكسها ، فانقضت النسور . فلما وقع التابوت على الأرض سمعت له هدة كادت الجبال تزول عن مراتبها منها ; قال ; فسمعت عليا - رضي الله عنه - يقرأ " وإن كان مكرهم لتزول " بفتح اللام الأولى من " لتزول " وضم الثانية . وقد ذكر الثعلبي هذا الخبر بمعناه ، وأن الجبار هو النمرود الذي حاج إبراهيم في ربه ، وقال عكرمة ; كان معه في التابوت غلام أمرد ، وقد حمل [ ص; 335 ] القوس والنبل فرمى بهما فعاد إليه ملطخا بالدماء وقال ; كفيت نفسك إله السماء . قال عكرمة ; تلطخ بدم سمكة من السماء ، قذفت نفسها إليه من بحر في الهواء معلق . وقيل ; طائر من الطير أصابه السهم ثم أمر نمرود صاحبه أن يضرب العصا وأن ينكس اللحم ، فهبطت النسور بالتابوت ، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنسور ففزعت ، وظنت أنه قد حدث بها حدث من السماء ، وأن الساعة قد قامت ، فذلك قوله ; وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . قال القشيري ; وهذا جائز بتقدير خلق الحياة في الجبال . وذكر الماوردي عن ابن عباس ; أن النمرود بن كنعان بنى الصرح في قرية الرس من سواد الكوفة ، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع وخمسين ذراعا ، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعا ، وصعد منه مع النسور ، فلما علم أنه لا سبيل له إلى السماء اتخذه حصنا ، وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه . فأتى الله بنيانه من القواعد ، فتداعى الصرح عليهم فهلكوا جميعا ، فهذا معنى وقد مكروا مكرهم وفي الجبال التي عنى زوالها بمكرهم وجهان ; أحدهما ; جبال الأرض . الثاني ; الإسلام والقرآن ; لأنه لثبوته ورسوخه كالجبال . وقال القشيري ; وعند الله مكرهم أي هو عالم بذلك فيجازيهم أو عند الله جزاء مكرهم فحذف المضاف . وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بكسر اللام ; أي ما كان مكرهم مكرا يكون له أثر وخطر عند الله تعالى ، فالجبال مثل لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل ; وإن كان مكرهم في تقديرهم لتزول منه الجبال وتؤثر في إبطال الإسلام . وقرئ " لتزول منه الجبال " بفتح اللام الأولى وضم الثانية ; أي كان مكرا عظيما تزول منه الجبال ، ولكن الله حفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كقوله تعالى ; ومكروا مكرا كبارا والجبال لا تزول ولكن العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون .
يقول تعالى ذكره; وسكنتم في الدنيا في مساكن الذين كفروا بالله ، فظلموا بذلك أنفسهم من الأمم التي كانت قبلكم ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) يقول; وعلمتم كيف أهلكناهم حين عتوا على ربهم وتمادوا في طغيانهم وكفرهم ( وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ) يقول; ومثَّلنا لكم فيما كنتم عليه من الشرك بالله مقيمين الأشباه ، فلم تنيبوا ولم تتوبوا من كفركم ، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نـزل بكم ما قد نـزل بكم من العذاب ، إن ذلك غير كائن.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر ، قال ; ثنا يزيد ، قال ; ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) يقول; سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود ، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم. ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ) قد والله بعث رسله ، وأنـزل كتبه ، ضرب لكم الأمثال ، فلا يصم فيها إلا أصمّ ، ولا يخيب فيها إلا الخائب ، فاعقلوا عن الله أمره.حدثني يونس ، قال ; أخبرنا ابن وهب ، قال ; قال ابن زيد ، في قوله ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) قال; سكنوا في قراهم مدين والحجر والقرى التي عذب الله أهلها ، وتبين لكم كيف فعل الله بهم ، وضرب لهم الأمثال.حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا شبابة ، قال ; ثنا ورقاء ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( الأمْثَالَ ) قال; الأشباه.حدثنا القاسم ، قال ; ثنا الحسين ، قال ; ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
{ وَقَدْ مَكَرُوا } أي: المكذبون للرسل { مَكْرَهُمْ } الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه، { وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي: هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله } { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: { مكروا مكرا كبارا } لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا، أو يبطل حقا، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئا، ولم يضروا الله شيئا وإنما ضروا أنفسهم.
(الواو) استئنافيّة
(قد) حرف تحقيق
(مكروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ ... و (الواو) فاعلـ (مكرهم) مفعول مطلق منصوب .
(هم)مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(عند) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(مكرهم) مبتدأ مؤخّر مرفوع، وهو على حذف مضاف أي جزاء مكرهم أو علم مكرهم.. و (هم) مثل الأوّلـ (الواو) استئنافيّة
(إن) نافية ،
(كان) فعل ماض ناقص- ناسخ -
(مكرهم) اسم كان مرفوع، و (هم) مثل الأولـ (اللام) لام التعليل ،
(تزول) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(من) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تزول) ومن سببيّة
(الجبال) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (أن تزول) في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر كان .
جملة: «قد مكروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «عند الله مكرهم ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «كان مكرهم..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تزول منه الجبال ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب ،
(لا تحسبنّ الله مخلف) مثل ولا تحسبنّ الله غافلا ،
(وعده) مضاف إليه مجرور.. و (الهاء) مضاف إليه
(رسله) مفعول به أول لاسم الفاعل مخلف المضاف إلى مفعوله الثاني وعد و (الهاء) مثل الأخير
(إنّ) حرف توكيد ونصبـ (الله) لفظ الجلالة اسم إنّ
(عزيز) خبر إنّ مرفوع
(ذو) خبر ثان مرفوع، وعلامة الرفع الواو (انتقام) مضاف إليه مجرور.
وجملة: «لا تحسبنّ ... » لا محلّ لها معطوفة على مقدّر أي تنبّه فلا تحسبنّ.. أو معطوفة على الاستئناف المتقدّم قد مكروا ... .
وجملة: «إنّ الله عزيز ... » لا محلّ لها تعليليّة.
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بانتقام ،
(تبدّل) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع
(الأرض) نائب الفاعل مرفوع
(غير) مفعول به منصوب ،
(الأرض) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(السموات) معطوف على نائب الفاعل مرفوع
(الواو) استئنافيّة
(برزوا) مثل مكروا
(لله) جارّ ومجرور ومتعلّق بـ (برزوا) على حذف مضاف أي لجزاء الله
(الواحد) نعت للفظ الجلالة مجرور
(القهّار) نعت ثان مجرور.وجملة: «تبدّل الأرض ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «برزوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة ، أو حال بتقدير قد.
- القرآن الكريم - ابراهيم١٤ :٤٦
Ibrahim14:46