فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقٰىهُ عَلٰى وَجْهِهِۦ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّىٓ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
فَلَمَّاۤ اَنۡ جَآءَ الۡبَشِيۡرُ اَلۡقٰٮهُ عَلٰى وَجۡهِهٖ فَارۡتَدَّ بَصِيۡرًا ؕۚ قَالَ اَلَمۡ اَقُل لَّـكُمۡ ۚ ۙ اِنِّىۡۤ اَعۡلَمُ مِنَ اللّٰهِ مَا لَا تَعۡلَمُوۡنَ
تفسير ميسر:
فلما أن جاء من يُبشِّر يعقوب بأن يوسف حيٌّ، وطرح قميص يوسف على وجهه فعاد يعقوب مبصرًا، وعمَّه السرور فقال لمن عنده; ألـمْ أخبركم أني أعلم من الله ما لا تعلمونه من فضل الله ورحمته وكرمه؟
قال ابن عباس والضحاك " البشير " البريد وقال مجاهد والسدي كان يهوذا بن يعقوب قال السدي إنما جاء به لأنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كذب فأحب أن يغسل ذلك بهذا فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه فرجع بصيرا وقال لبنيه عند ذلك " ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون " أي أعلم أن الله سيرده إلي وقلت لكم " إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون.
قوله تعالى ; فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه أي على عينيه . فارتد بصيرا و " أن " زائدة ، والبشير قيل هو شمعون . وقيل ; يهوذا قال ; أنا أذهب بالقميص اليوم كما ذهبت به ملطخا بالدم ; قاله ابن عباس . وعن السدي أنه قال لإخوته ; قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص الترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة . وقال يحيى بن يمان عن سفيان ; لما جاء البشير إلى يعقوب قال له ; على أي دين تركت يوسف ؟ قال ; على الإسلام ; قال ; الآن تمت النعمة ; وقال الحسن ; لما ورد البشير على يعقوب لم يجد عنده شيئا يثيبه به ; فقال ; والله ما أصبت عندنا شيئا ; وما خبزنا شيئا منذ سبع ليال ، ولكن هون الله عليك سكرات الموت .قلت ; وهذا الدعاء من أعظم ما يكون من الجوائز ، وأفضل العطايا والذخائر . ودلت هذه الآية على جواز البذل والهبات عند البشائر . وفي الباب حديث كعب بن مالك - الطويل - وفيه ; " فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته " وذكر الحديث ، وقد تقدم بكماله في قصة الثلاثة الذين خلفوا ، وكسوة كعب ثوبيه للبشير مع كونه ليس له غيرهما دليل على جواز مثل ذلك إذا ارتجى حصول ما يستبشر به . وهو دليل على جواز إظهار الفرح بعد زوال الغم والترح . ومن هذا الباب جواز حذاقة الصبيان ، وإطعام الطعام فيها ، قد نحر عمر بعد حفظه سورة " البقرة " جزورا . والله أعلم .قوله تعالى ; قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ذكرهم قوله ; إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف ، وهو المبشّر برسالة يوسف ، وذلك بريدٌ، فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه. (1)* * *وكان البريد فيما ذكر، والبشير; يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف لأبيه .*ذكر من قال ذلك;19857- حدثني محمد بن سعد ، قال; حدثني أبي ، قال;حدثني عمي ، قال;حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله; ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه ) ، يقول; " البشير "; البريدُ.19858- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك; ( فلما أن جاء البشير ) قال; البريد .19859- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال; البريد.19860- ... قال، حدثنا شبابة ، قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال;يهوذا بن يعقوب.19861- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; ( البشير ) قال;يهوذا بن يعقوب.19862- حدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال; يهوذا بن يعقوب.19863- ... قال;حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال; هو يهوذا بن يعقوب.19864- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين ، قال; حدثني حجاج ، عن ابن جريج; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال;يهوذا بن يعقوب، كان البشير.19865- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال;هو يهوذا بن يعقوب.، قال سفيان; وكان ابن مسعود يقرأ; " وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ" (2) .19866- حدثنا ابن وكيع ، قال;حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال; البريد، هو يهوذا بن يعقوب.19867- ... قال;حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، قال يوسف; اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ، قال يهوذا;أنا ذهبتُ بالقميص ، ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب ، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته . فهو كان البشير.19868- حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال;حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك; ( فلما أن جاء البشير ) ، قال; البريد.* * *قال أبو جعفر; وكان بعضُ أهل العربيّة من أهل الكوفة يقول; " أنْ" في قوله; ( فلما أن جاء البشير ) وسقوطُها، بمعنى واحدٍ ، وكان يقول هذا في; " لما " و " حتى " خاصّة ، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانًا وتسقطها أحيانًا ، كما قال جل ثناؤه; وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا [سورة العنكبوت;33] ، وقال في موضع آخر; وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا [سورة هود;77] ، وقال;هي صلة، (3) لا موضع لها في هذين الموضعين. يقال; " حتى كان كذا وكذا " ، أو " حتى أن كان كذا وكذا " .* * *وقوله; ( ألقاه على وجهه ) ، يقول; ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، كما;-19869- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه.* * *وقوله; ( فارتد بصيرًا ) ، يقول;رجع وعادَ مبصرًا بعينيه، (4) بعد ما قد عمي ، ( قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) ، يقول جل وعز وجل; قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده;ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف ، ويجمع بيني وبينه ، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه ، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة ، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا ، فكنت مُوقنًا بقضائه .----------------------الهوامش;(1) في المطبوعة;"برده إليه"، وأثبت ما في المخطوطة، وكلاهما صواب. يقال;"برد بريدًا، وأبرده" ، أي; أرسله.(2) هذه قراءة لا يقرأ بها كما سلف مرارًا لمخالفتها ما في المصحف ، ولكن هذه فيها إشكال ، فلو صح أنها ;" وجاء البشير" ، لوجب أن تكون القراءة بعدها ;" فألقاه" بالفاء . وإلا وجب أن تكون القراءة ;" فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ } .(3) قوله ;" صلة"، أي زيادة ، وانظر ما سلف ; 1 ; 190 ، 405 ، 406 ، 548 . 4 ; 289 / 5 ; 460 ، 462 / 7 ; 340 ، 341 / 12 ; 325 ، 326 / 13 ; 508 / 14 ; 30 / 15 ; 497 .(4) انظر تفسير" ارتد" فيما سلف 3 ; 163 / 4 ; 316 / 10 ; 170 ، 409 ، 410 .
{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ } بقرب الاجتماع بيوسف وإخوته وأبيهم، { أَلْقَاهُ } أي: القميص { عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } أي: رجع على حاله الأولى بصيرا، بعد أن ابيضت عيناه من الحزن، فقال لمن حضره من أولاده وأهله الذين كانوا يفندون رأيه، ويتعجبون منه منتصرا عليهم، متبجحا بنعمة الله عليه: { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } حيث كنت مترجيا للقاء يوسف، مترقبا لزوال الهم والغم والحزن.
(الفاء) عاطفة
(لمّا) ظرف متعلّق بـ (ألقاه) ، متضمّن معنى الشرط
(أن) حرف زائد
(جاء) فعل ماض
(البشير) فاعل مرفوع
(ألقاه) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، و (الهاء) ضمير مفعول به، والفاعل هو أي البشير
(على وجهه) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ألقاه) .. و (الهاء) مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(ارتدّ) مثل جاء، والفاعل هو أي يعقوبـ (بصيرا) حال منصوبة ،
(قال) مثل جاء
(الهمزة) للاستفهام
(لم) حرف نفي وجزم
(أقل) مضارع مجزوم، والفاعل أنا
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّمتعلّق بـ (أقل) ،
(إنّي) كالسابق
(أعلم من الله ما لا تعلمون) مرّ إعرابها .
جملة: «جاء البشير ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «ألقاه ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «ارتدّ ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ألقاه.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «لم أقل ... » في محلّ نصب مقول القول للقول الأول.
وجملة: «إنّي أعلم ... » في محلّ نصب مقول القول للقول الثاني.
وجملة: «أعلم ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «لا تعلمون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الاسميّ أو الحرفيّ.