ارْجِعُوٓا إِلٰىٓ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يٰٓأَبَانَآ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حٰفِظِينَ
اِرۡجِعُوۡۤا اِلٰٓى اَبِيۡكُمۡ فَقُوۡلُوۡا يٰۤاَبَانَاۤ اِنَّ ابۡنَكَ سَرَقَۚ وَمَا شَهِدۡنَاۤ اِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حٰفِظِيۡنَ
تفسير ميسر:
ارجعوا أنتم إلى أبيكم، وأخبروه بما جرى، وقولوا له; إن ابنك "بنيامين" قد سرق، وما شهدنا بذلك إلا بعد أن تَيَقَّنَّا، فقد رأينا المكيال في رحله، وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حين عاهدناك على ردِّه.
ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع حتى يكون عذرا لهم عنده ويتنصلوا إليه ويبرؤا مما وقع بقولهم ما علمنا أن ابنك يسرق وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم; ما علمنا في الغيب أنه سرق له شيئا إنما سألنا ما جزاء السارق.
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْقاله الذي قال ; " فلن أبرح الأرض " .فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَوقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين " إن ابنك سرق " النحاس ; وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سريج البغدادي قال ; سمعت , الكسائي يقرأ ; " يا أبانا إن ابنك سرق " بضم السين وتشديد الراء مكسورة ; على ما لم يسم فاعله ; أي نسب , إلى السرقة ورمي بها ; مثل خونته وفسقته وفجرته إذا نسبته إلى هذه الخلال .وقال الزجاج ; " سرق " يحتمل معنيين ; أحدهما ; علم منه السرق , والآخر ; اتهم بالسرق .قال الجوهري ; والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق , والمصدر يسرق سرقا بالفتح .سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَافيه أربع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; " وما شهدنا إلا بما علمنا " يريدون ما شهدنا قط إلا بما علمنا , وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر وما نعلم الغيب ; كأنهم وقعت لهم تهمة من قول بنيامين ; دس هذا في رحلي من دس بضاعتكم في رحالكم ; قال معناه ابن إسحاق .وقيل المعنى ; ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من دينك ; قاله ابن زيد .الثانية ; تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها ; فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا , فلا تسمع إلا ممن علم , ولا تقبل إلا منهم , وهذا هو الأصل في الشهادات ; ولهذا قال أصحابنا ; شهادة الأعمى جائزة , وشهادة المستمع جائزة , وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة ; وكذلك الشهادة على الخط - إذا تيقن أنه خطه أو خط فلان - صحيحة فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه ; قال الله تعالى ; " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " [ الزخرف ; 86 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( ألا أخبركم بخير الشهداء خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ) وقد مضى في " البقرة " .الثالثة ; اختلف قول مالك في شهادة المرور ; وهو أن يقول ; مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهد في أحد قوليه , وفي القول الآخر لا يشهد حتى يشهداه .والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب ; وبه قال جماعة العلماء , وهو الحق ; لأنه قد حصل المطلوب وتعين عليه أداء العلم ; فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له , وشر الشهداء إذا كتمها والله أعلم ,الرابعة ; إذا ادعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردت ; لأنه ادعى باطلا فأكذبه العيان ظاهرا .عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِأي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه .وقال مجاهد وقتادة ; ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا , وإنما قلنا ; نحفظ أخانا فيما نطيق .وقال ابن عباس ; يعنون أنه سرق ليلا وهم نيام , والغيب هو الليل بلغة حمير ; وعنه ; ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه .وقيل ; ما دام بمرأى منا لم يجر خلل , فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته .وقيل معناه ; قد أخذت السرقة من رحله , ونحن أخرجناها وننظر إليها , ولا علم لنا بالغيب , فلعلهم سرقوه ولم يسرق .
القول في تأويل قوله تعالى ; ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه; ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق) .* * *والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف; (إن ابنك سرق) .* * *ورُوي عن ابن عباس; " إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ" بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى; أنه سَرَق ، (وما شهدنا إلا بما علمنا) .* * *واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم; معناه; وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.*ذكر من قال ذلك;19632 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; (ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه ، (فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا ) ، أي; قد وجدت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب ، (وما كنا للغيب حافظين).* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك; وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا .*ذكر من قال ذلك;19633 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد; قال لهم يعقوب عليه السلام; ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا; (ما شهدنا إلا بما علمنا) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال; وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ.* * *وقوله; (وما كنا للغيب حافظين ) ، يقول; وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا وَنَحْفَظُ أَخَانَا مما لنا إلى حفظه منه السبيل .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة; (وما كنا للغيب حافظين). قال; ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (11)19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله; (وما كنا للغيب حافظين) ، لم نشعر أنه سيسرق.19636- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; (وما كنا للغيب حافظين) قال; لم نشعر أنه سيسرق.19637- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; (وما كنا للغيب حافظين) قال; لم نشعر أنه سيسرق.19638- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة; (وما كنا للغيب حافظين) قال; ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق.19639- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة; (وما كنا للغيب حافظين) قال; ما كنا نرى أنه سيسرق.19640- حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة; (وما كنا للغيب حافظين) ، قال; ما كنا نظن أن ابنك يسرق.* * *قال أبو جعفر ; وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله; (وما شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال; وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه ، لأنه عَقيِب قوله; (إن ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل.* * *وذكر أن " الغيب "، في لغة حمير، هو الليل بعينه . (12)* * *----------------------الهوامش;(2) ديوانه قصيدة ; 7 ، بيت ; 7 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 315 من أبيات يقولها لابنته بسرة ، يذكر طول عمره ، فيقول لها ;وَلَقَـدْ سَـئِمْتُ مـن الحَيَـاةِ وطُولِهَـاوسُـؤَالِ هـذَا النَّـاسِ ; كَـيْف لَبِيدُ ?وَغَنِيـتُ سَـبْتًا قَبْـلَ مَجْـرَى دَاحِسٍلَــوْ كَــانَ للنِّفْسِ اللَّجُـوجِ خُـلُودُوَشَـــــــهِدْتُ.................. . . . . . . . . . . . . . . . . . ." مجرى داحس" ، هو الخبر المشهور عن داحس والغبراء وإجرائهما ، وكانت بسببه الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة ، وقوله ;" سبتًا" ، أي ; دهرًا .و" الأفاقة" اسم موضع ، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد ، والربيع بن زياد العبسي . و" أرداف الملوك" ، من" الردف" ، وهو الذي يكون مع الملك ، وينوب عنه إذا قام من مجلسه .(3) هو الصلتان العبدي .(4) شرح الحماسة 3 ; 112 ، والشعر والشعراء ; 479 ، والخزانة 1 ; 308 ، وغيرها ، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي يقول فيها ;أَشَــابَ الصّغــيرَ وَأَفْنَـى الكَبـيرَكَـــرُّ الغَــدَاةِ وَمَــرُّ العَشِــيثم يقول له بعد البيت الشاهد ;وَسِــرُّكَ مَــا كَـانَ عِنْـدَ امْـريٍوَسِــرُّ الثَّلاَثَــةِ غَــيْرُ الخَــفِيو" الحب" ( بكسر الخاء ) ، المكر ، و" الخب" ( بفتحها ) ، المكار .(5) في المطبوعة والمخطوطة ;" في العلم" ، ولم أجد ما أستوثق به من أن يكون الخبر في معنى الترجمة ، أعني مكان" في العلم" ،" في السن" .(6) انظر تفسير" الموثق" فيما سلف ص ; 163 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(7) زدت نص الآية ، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة .(8) في المطبوعة ;" التي تكون صلة" ، ، وفي المخطوطة ;" التي صلة" ، ورجحت ما أثبت، و" الصلة" ، الزيادة ، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات .(9) في المطبوعة" تفريطكم في يوسف" ، والصواب ما أثبت ، لأن" ما" زائدة هنا .(10) انظر تفسير" الحكم" فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) .(11) الأثر ; 19634 -" الحسين بن الحريث" ،" أبو عمار المروزي" ، شيخ الطبري ، مضى برقم 11771 ." الفضل بن موسى السيتاني" ، مضى أيضًا برقم ; 11771 ." الحسين بن واقد المروزي" ، مضى أيضًا برقم ; 4810 ، 6311 ، 11771 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا" الحسن بن واقد" ، وهو خطأ بين ، كما أشرت إليه قبل .(12) هذا معنى عزيز في تفسير" الغيب" ، لم أجده في شيء من كتب اللغة التي بين أيدينا .
ثم وصَّاهم بما يقولون لأبيهم، فقال: { ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ } أي: وأخذ بسرقته، ولم يحصل لنا أن نأتيك به، مع ما بذلنا من الجهد في ذلك. والحال أنا ما شهدنا بشيء لم نعلمه، وإنما شهدنا بما علمنا، لأننا رأينا الصواع استخرج من رحله، { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } أي: لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا، فلم نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة