فَلَمَّا اسْتَيْـَٔسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوٓا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّٰى يَأْذَنَ لِىٓ أَبِىٓ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِى ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحٰكِمِينَ
فَلَمَّا اسۡتَايۡــَٔسُوۡا مِنۡهُ خَلَصُوۡا نَجِيًّا ؕ قَالَ كَبِيۡرُهُمۡ اَلَمۡ تَعۡلَمُوۡۤا اَنَّ اَبَاكُمۡ قَدۡ اَخَذَ عَلَيۡكُمۡ مَّوۡثِقًا مِّنَ اللّٰهِ وَمِنۡ قَبۡلُ مَا فَرَّطْتُّمۡ فِىۡ يُوۡسُفَ ۚ فَلَنۡ اَبۡرَحَ الۡاَرۡضَ حَتّٰى يَاۡذَنَ لِىۡۤ اَبِىۡۤ اَوۡ يَحۡكُمَ اللّٰهُ لِىۡ ۚ وَهُوَ خَيۡرُ الۡحٰكِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس، وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، قال كبيرهم في السن; ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم العهد المؤكد لتردُّنَّ أخاكم إلا أن تُغلبوا، ومن قبل هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم به؛ لذلك لن أفارق أرض "مصر" حتى يأذن لي أبي في مفارقتها، أو يقضي لي ربي بالخروج منها، وأتمكن مِن أَخْذِ أخي، والله خيرُ مَن حَكَمَ، وأعدل مَن فَصَلَ بين الناس.
يخبر تعالى عن إخوة يوسف أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين الذي قد التزموا لأبيهم برده إليه وعاهدوه على ذلك فامتنع عليهم ذلك " خلصوا " أي انفردوا عن الناس " نجيا " يتناجون فيما بينهم " قال كبيرهم " وهو روبيل وقيل يهوذا وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما هموا بقتله قال لهم " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " لتردنه إليه فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه " فلن أبرح الأرض " أي لن أفارق هذه البلدة " حتى يأذن لي أبي " في الرجوع إليه راضيا عني " أو يحكم الله لي " قيل بالسيف وقيل بأن يمكنني من أخذ أخي " وهو خير الحاكمين ".
قوله تعالى ; فلما استيأسوا منه أي يئسوا ; مثل عجب واستعجب ، وسخر واستسخر . " خلصوا " أي انفردوا وليس هو معهم . " نجيا " نصب على الحال من المضمر في خلصوا وهو واحد يؤدي عن جمع ، كما في هذه الآية ; ويقع على الواحد كقوله تعالى ; وقربناه نجيا وجمعه أنجية ; قال الشاعر ;إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واضطرب القوم اضطراب الأرشيههناك أوصيني ولا توصي بيهوقرأ ابن كثير ; " استايسوا " " ولا تايسوا " " إنه لا يايس " " أفلم يايس " بألف من غير همز على القلب ; قدمت الهمزة وأخرت الياء ، ثم قلبت الهمزة ألفا لأنها ساكنة قبلها فتحة ; والأصل قراءة الجماعة ; لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء - يأسا - والإياس [ ص; 211 ] ليس بمصدر أيس ; بل هو مصدر أسته أوسا وإياسا أي أعطيته . وقال قوم ; أيس ويئس لغتان ; أي فلما يئسوا من رد أخيهم إليهم تشاوروا فيما بينهم لا يخالطهم غيرهم من الناس ، يتناجون فيما عرض لهم . والنجي فعيل بمعنى المناجي .قوله تعالى ; قال كبيرهم قال قتادة ; وهو روبيل ، كان أكبرهم في السن . مجاهد ; هو شمعون ، كان أكبرهم في الرأي . وقال الكلبي ; يهوذا ; وكان أعقلهم . وقال محمد بن كعب وابن إسحاق ; هو لاوي ، وهو أبو الأنبياء .ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله أي عهدا من الله في حفظ ابنه ، ورده إليه .ومن قبل ما فرطتم في يوسف " ما " في محل نصب عطفا على أن والمعنى ; ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ، وتعلموا تفريطكم في يوسف ; ذكره النحاس وغيره . و " من " في قوله ; " ومن قبل " متعلقة ب " تعلموا " . ويجوز أن تكون ما زائدة ; فيتعلق الظرفان اللذان هما " من قبل " و " في يوسف " بالفعل وهو " فرطتم " . ويجوز أن تكون ما والفعل مصدرا ، و " من قبل " متعلقا بفعل مضمر ; التقدير ; تفريطكم في يوسف واقع من قبل ; فما والفعل في موضع رفع بالابتداء ، والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به " من قبل " .فلن أبرح الأرض أي ألزمها ، ولا أبرح مقيما فيها ; يقال ; برح براحا وبروحا أي زال ، فإذا دخل النفي صار مثبتا .حتى يأذن لي أبي بالرجوع فإني أستحي منه .أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين بالممر مع أخي فأمضي معه إلى أبي . وقيل ; المعنى أو يحكم الله لي بالسيف فأحارب وآخذ أخي ، أو أعجز فأنصرف بعذر ، وذلك أن يعقوب قال ; لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن حارب وعجز فقد أحيط به ; وقال ابن عباس ; وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فلا يرد وجهه مائة ألف ; يقوم شعره في صدره مثل المسال فتنفذ من ثيابه . وجاء في الخبر أن يهوذا قال لإخوته - وكان أشدهم غضبا - ; إما أن تكفوني الملك ومن معه أكفكم أهل مصر ; وإما أن تكفوني أهل مصر أكفكم الملك ومن معه ; قالوا ; بل اكفنا الملك ومن معه نكفك أهل مصر ، فبعث واحدا من إخوته فعدوا أسواق مصر فوجدوا فيها تسعة أسواق ، فأخذ كل واحد منهم سوقا ; ثم إن يهوذا دخل على يوسف وقال ; أيها الملك ! لئن لم تخل معنا أخانا لأصيحن صيحة لا تبقي في مدينتك حاملا إلا أسقطت ما في بطنها ; وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب ، فأغضبه يوسف وأسمعه كلمة ، فغضب يهوذا واشتد غضبه ، وانتفجت شعراته ; وكذا كان كل واحد من بني يعقوب ; كان إذا غضب ، اقشعر جلده ، وانتفخ جسده ، وظهرت شعرات ظهره ، من تحت [ ص; 212 ] الثوب ، حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم ; وإذا ضرب الأرض برجله تزلزلت وتهدم البنيان ، وإن صاح صيحة لم تسمعه حامل من النساء والبهائم والطير إلا وضعت ما في بطنها ، تماما أو غير تمام ; فلا يهدأ غضبه إلا أن يسفك دما ، أو تمسكه يد من نسل يعقوب ; فلما علم يوسف أن غضب أخيه يهوذا قد تم وكمل كلم ولدا له صغيرا بالقبطية ، وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث لا يراه ; ففعل فسكن غضبه وألقى السيف فالتفت يمينا وشمالا لعله يرى أحدا من إخوته فلم يره ; فخرج مسرعا إلى إخوته وقال ; هل حضرني منكم أحد ؟ قالوا ; لا ! قال ; فأين ذهب شمعون ؟ قالوا ; ذهب إلى الجبل ; فخرج فلقيه ، وقد احتمل صخرة عظيمة ; قال ; ما تصنع بهذه ؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها رءوس كل من فيه ; قال ; فارجع فردها أو ألقها في البحر ، ولا تحدثن حدثا ; فوالذي اتخذ إبراهيم خليلا ! لقد مسني كف من نسل يعقوب . ثم دخلوا على يوسف ، وكان يوسف أشدهم بطشا ، فقال ; يا معشر العبرانيين ! أتظنون أنه ليس أحد أشد منكم قوة ، ثم عمد إلى حجر عظيم من حجارة الطاحونة فركله برجله فدحا به من خلف الجدار - الركل الضرب بالرجل الواحدة ; وقد ركله يركله ; قال الجوهري - ثم أمسك يهوذا بإحدى يديه فصرعه لجنبه ، وقال ; هات الحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم وأضرب أعناقهم ، ثم صعد على سريره وجلس على فراشه ، وأمر بصواعه فوضع بين يديه ، ثم نقره نقرة فخرج طنينه ، فالتفت إليهم وقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا ! قال ; فإنه يقول ; إنه ليس على قلب أبي هؤلاء هم ولا غم ولا كرب إلا بسببهم ، ثم نقر نقرة ثانية وقال ; إنه يخبرني أن هؤلاء أخذوا أخا لهم صغيرا فحسدوه ونزعوه من أبيهم ثم أتلفوه ; فقالوا ; أيها العزيز ! استر علينا ستر الله عليك ، وامنن علينا من الله عليك ; فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول ; إن هؤلاء طرحوا صغيرهم في الجب ، ثم باعوه بيع العبيد بثمن بخس ، وزعموا لأبيهم أن الذئب أكله ; ثم نقره رابعة وقال ; إنه يخبرني أنكم أذنبتم ذنبا منذ ثمانين سنة لم تستغفروا الله منه ; ولم تتوبوا إليه ، ثم نقره خامسة وقال إنه يقول ; إن أخاهم الذي زعموا أنه هلك لن تذهب الأيام حتى يرجع فيخبر الناس بما صنعوا ; ثم نقره سادسة وقال إنه يقول ; لو كنتم أنبياء أو بني أنبياء ما كذبتم ولا عققتم والدكم ; لأجعلنكم نكالا للعالمين . ايتوني بالحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم ، فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبة وقالوا ; لو قد أصبنا أخانا يوسف إذ هو حي لنكونن طوع يده ، وترابا يطأ علينا برجله ; فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم ; اخرجوا عني ! قد خليت سبيلكم إكراما لأبيكم ، ولولا هو لجعلتكم نكالا .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره; (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.* * *وقوله (استيأسوا) ،" استفعلوا " ، من; " يئس الرجل من كذا ييأس "، كما;-19617 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; (فلما استيأسوا منه) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.* * *وقوله; (خلصوا نجيًّا) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون ، لا يختلط بهم غيرهم .* * *و " النجيّ"، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة ، كما يقال; " رجل عدل، ورجال عدل " ، و " قوم زَوْر، وفِطْر ". وهو مصدر من قول القائل; " نجوت فلانا أنجوه نجيًّا " ، جعل صفة ونعتًا . ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [ سورة مريم ; 52] فوصف به الواحد ، وقال في هذا الموضع; (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة ، ويجمع " النجيّ" أنجية ، كما قال لبيد;وَشَــهِدْتُ أنْجِيَــةَ الأفَاقَـةِ عَاليًـاكَــعْبي وَأَرْدَافُ المُلُــوكِ شُــهُودُ (2)وقد يقال للجماعة من الرجال; " نَجْوَى " كما قال جل ثناؤه; وَإِذْ هُمْ نَجْوَى [سورة الإسراء; 47 ] وقال; مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ [سورة المجادلة; 7 ] وهم القوم الذين يتناجون . وتكون " النجوى " أيضا مصدرًا ، كما قال الله; إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [سورة المجادلة; 10 ] تقول منه "; نجوت أنجو نجوى " فهي في هذا الموضع، المناجاة نفسها ، ومنه قول الشاعر (3)بُنَــيَّ بَـدَا خِـبُّ نَجْـوَى الرِّجَـالِفَكُــنْ عِنْــدَ سـرّكَ خَـبَّ النَّجِـيّ (4)فـ" النجوى " و " النجي"، في هذا البيت بمعنى واحد ، وهو المناجاة ، وقد جمع بين اللغتين .* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله; (خلصوا نجيًّا) قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك;19618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي; (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون ، وقد كان ارتهنه ، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم .19619 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله; (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا.19620 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; (خلصوا نجيًّا) ; أي خلا بعضهم ببعض ، ثم قالوا; ماذا ترون؟* * *وقوله; (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.فقال بعضهم; عنى به كبيرهم في العقل والعلم ، لا في السن ، وهو شمعون. قالوا; وكان روبيل أكبر منه في الميلاد .*ذكر من قال ذلك;19621 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله; (قال كبيرهم) قال; هو شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منه ، أو; أكبر منهم ، في الميلاد، روبيل.19622- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; (قال كبيرهم) ; ، شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منه في الميلاد روبيل.19623- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .19624- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد; (قال كبيرهم) ، قال; شمعون الذي تخلف ، وأكبرهم في الميلاد روبيل.* * *وقال آخرون; بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل .*ذكر من قال ذلك;19625 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة; (قال كبيرهم)، وهو روبيل، أخو يوسف ، وهو ابن خالته ، وهو الذي نهاهم عن قتله.19626- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة; (قال كبيرهم) ، قال; روبيل ، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه.19627 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي; (قال كبيرهم) في العلم (5) ، (إن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض) ، الآية ، فأقام روبيل بمصر ، وأقبل التسعة إلى يعقوب، فأخبروه الخبرَ ، فبكى وقال; يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف ، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ، وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل!19628 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال; ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي ، وكان كبير القوم; (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ،الآية.* * *قال أبو جعفر ; وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال; عنى بقوله; (قال كبيرهم) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم; " فلان كبير القوم "، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين; إما في الرياسة عليهم والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه ، فقالوا; " هو كبيرهم في العقل ". فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت.وقد قال أهل التأويل; لم يكن لشمعون ، وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به ، على إخوته رياسةٌ وسؤدد ، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله; (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر ، وهو الكبر في السن ، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا "; روبيل كان أكبر القوم سنًّا " ، فصح بذلك القول الذي اخترناه .* * *وقوله; (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله، ) يقول; ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه; (6) لنأتينه به جميعا ، إلا أن يحاط بكم ، ( ومن قبل ما فرطتم في يوسف )، (7) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول; أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ ، وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه ، كانت " ما " حينئذ في موضع نصب .وقد يجوز أن يكون قوله; (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا مبتدأ ، ويكون قوله; (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) خبرًا متناهيًا فتكون " ما " حينئذ في موضع رفع ، كأنه قيل; " ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف " ، فتكون " ما " مرفوعة بـ" من " قبلُ.هذا ويجوز أن تكون " ما " التي هي صلة في الكلام ، (8) فيكون تأويل الكلام; ومن قبل هذا فرطتم في يوسف . (9)* * *وقوله; (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها ، (حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها ، كما;-19629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق; (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم ، (حتى يأذن لي أبي) ، بالخروج منها.19630 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; قال شمعون; (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين).* * *وقوله; (أو يحكم الله لي) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين ، وإلا فإني غير خارج ، (وهو خير الحاكمين) ، يقول; والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس . (10)* * *وكان أبو صالح يقول في ذلك بما;-19631 - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله; (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ،) قال; بالسيف.* * *، وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله; (أو يحكم الله لي) ، إلى; أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب ، فأحاربه .* * *----------------------الهوامش;
أي: فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن يسمح لهم بأخيهم { خَلَصُوا نَجِيًّا } أي: اجتمعوا وحدهم، ليس معهم غيرهم، وجعلوا يتناجون فيما بينهم، فـ { قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ } في حفظه، وأنكم تأتون به إلا أن يحاط بكم { وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ } ، فاجتمع عليكم الأمران، تفريطكم في يوسف السابق، وعدم إتيانكم بأخيه باللاحق، فليس لي وجه أواجه به أبي. { فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ } أي: سأقيم في هذه الأرض ولا أزال بها { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } أي: يقدر لي المجيء وحدي، أو مع أخي { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }
(الفاء) عاطفة
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بـ (خلصوا) ،
(استيئسوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعلـ (من) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (استيئسوا) ،
(خلصوا) مثل استيئسوا
(نجيّا) حال من فاعل خلصوا أي متناجين ، منصوبة
(قال) فعل ماض
(كبيرهم) فاعل مرفوع.. و (هم) ضمير مضاف إليه
(الهمزة) للاستفهام
(لم) حرف نفي وجزم
(تعلموا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون والواو فاعلـ (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(أباكم) اسم أنّ منصوب، وعلامة النصب الألف.. و (كم) ضمير مضاف إليه
(قد) حرف تحقيق
(أخذ) فعل ماض، والفاعل هو (على) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أخذ) ،
(موثقا) مفعول به منصوبـ (من الله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أخذ) ،
(الواو) عاطفة
(من) حرف جرّ
(قبل) اسم ظرفيّ مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (فرّطتم) على زيادة ما ،
(فرّطتم) فعل ماض مبنيّ على السكون ... و (تم) ضمير فاعلـ (في يوسف) جارّ ومجرور متعلّق بـ (فرّطتم) ، وعلامة الجرّ الفتحة،
(الفاء) عاطفة
(لن) حرف نفي ونصبـ (أبرح) مضارع منصوب، والفاعل أنا
(الأرض) مفعول به منصوبـ (حتّى) حرف غاية وجرّ
(يأذن) مثل أبرح، منصوب بأن مضمرة بعد حتّى
(اللام) حرف جرّ و (الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يأذن) ،
(أبي) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على
(ما) قبل الياء، و (الياء) مضاف إليه.والمصدر المؤوّلـ (أن يأذن) في محلّ جرّ بـ (حتّى) متعلّق بـ (أبرح) .
(أو) حرف عطف
(يحكم) مثل يأذن ومعطوف عليه ،
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(لي) مثل الأول متعلّق بـ (يحكم) ،
(الواو) استئنافيّة
(هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(خير) خبر مرفوع
(الحاكمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: «استيئسوا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «خلصوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «قال كبيرهم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ألم تعلموا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «قد أخذ ... » في محلّ رفع خبر أنّ.
والمصدر المؤوّلـ (أنّ أباكم قد أخذ..) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي فعل تعلموا .
وجملة: «فرّطتم ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: «لن أبرح ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة فرّطتم.
وجملة: «يأذن ... أبي» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «هو خير ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
(ارجعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعلـ (إلى أبيكم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ارجعوا) ، وعلامة الجرّ الياء.. و (كم) ضمير مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(قولوا) مثل ارجعوا
(يا) أداة نداء
(أبانا) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الألف.. و (نا) مضاف إليه
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل(ابنك) اسم إنّ منصوب.. و (الكاف) مضاف إليه
(سرق) فعل ماض، والفاعل هو (الواو) عاطفة
(ما) نافية
(شهدنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (نا) فاعلـ (إلّا) أداة حصر
(الباء) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (شهدنا) ، والعائد محذوف
(علمنا) مثل شهدنا
(الواو) عاطفة
(ما) مثل الأولى
(كنّا) فعل ماض ناقص.. و (نا) ضمير في محلّ رفع اسم كان
(للغيب) جار ومجرور متعلّق بـ (حافظين) خبر كنّا، منصوب وعلامة النصب الياء.
وجملة: «ارجعوا ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «قولوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ارجعوا.
وجملة: «يا أبانا ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «إنّ ابنك سرق ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «سرق ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «ما شهدنا ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة إنّ ابنك سرق.
وجملة: «علمنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «ما كنّا ... حافظين» في محلّ نصب معطوفة على جملة إنّ ابنك سرق.
(الواو) عاطفة
(اسأل) فعل أمر، والفاعل أنت
(القرية) مفعول به منصوب ،
(التي) اسم موصول في محلّ نصب نعت للقرية
(كنّا) مثل الأولـ (في) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر كنّا
(الواو) عاطفة
(العير الّتي) مثل القرية التي ومعطوف عليه
(أقبلنا) فعل ماض وفاعله
(فيها) مثل الأول متعلّق بـ (أقبلنا) ،
(الواو) عاطفة
(إنّا لصادقون) مثل إنّا لظالمون .
وجملة: «اسأل القرية ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: «كنّا فيها ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (التي) .
وجملة: «أقبلنا فيها ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (التي) الثاني.
وجملة: «إنّا لصادقون ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.