القول في تأويل قوله تعالى ; فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، ( قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول; منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا , ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير-(فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا ، (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك;19474- حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي; فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا; يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته , وإنه ارتهن شمعون , وقال; ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك , فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب; هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟ قال; فقال لهم يعقوب; إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام , وقولوا; إن أبانا يصلِّي عليك , ويدعو لك بما أوليتنا.19475-حدثنا ابن حميد قال; حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال; خرجوا حتى قدموا على أبيهم , وكان منـزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم ، وبعض يقول; بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (22) ، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل , فقالوا; يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنـزلنا فأكرم منـزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا , وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال; إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب; هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله; (نكتل) .فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ) ، بالنون , بمعنى; نكتل نحن وهو .* * *وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة; " يَكْتَلْ"، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا .* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى , فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم , فقالوا; (يا أبانا مُنع منا الكيل) ، ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه , فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم , فقد دخل " الأخ " في عددهم . فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه , أو عن جميعهم بلفظ الجميع , إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .----------------------الهوامش;(22) في المخطوطة ;" من حسو" ، والصواب ما في المطبوعة .