قَالَ يٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلٰىٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطٰنَ لِلْإِنسٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
قَالَ يٰبُنَىَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلٰٓى اِخۡوَتِكَ فَيَكِيۡدُوۡا لَـكَ كَيۡدًا ؕ اِنَّ الشَّيۡطٰنَ لِلۡاِنۡسَانِ عَدُوٌّ مُّبِيۡنٌ
تفسير ميسر:
قال يعقوب لابنه يوسف; يا بني لا تذكر لإخوتك هذه الرؤيا فيحسدوك، ويعادوك، ويحتالوا في إهلاكك، إن الشيطان للإنسان عدو ظاهر العداوة.
يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخوزن له ساجدين إجلالا واحتراما لا كراما فخشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له ولهذا قال له " لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا لك حيلة يردونك فيهـا ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدت به وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الأخر وليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من شرها ولا يحدث بها أحدأ فإنها لن تضره " ْ وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن من رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال; قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت "ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر كما ورد في حديث " استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود ".
قوله تعالى ; قال يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين فيه إحدى عشرة مسألة ; الأولى ; فيكيدوا لك كيدا أي يحتالوا في هلاكك ; لأن تأويلها ظاهر ; فربما يحملهم الشيطان على قصدك بسوء حينئذ . واللام في لك تأكيد . كقوله ; إن كنتم للرؤيا تعبرون .الثانية ; الرؤيا حالة شريفة ، ومنزلة رفيعة ، قال - صلى الله عليه وسلم - ; لم يبق بعدي من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة الصادقة يراها الرجل الصالح أو ترى له . وقال ; أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا . وحكم - صلى الله عليه وسلم - بأنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وروي من سبعين جزءا من النبوة . وروي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - جزءا من أربعين جزءا من النبوة . ومن حديث ابن عمر جزء من تسعة وأربعين جزءا . ومن حديث العباس جزء من خمسين جزءا من النبوة . ومن حديث أنس من ستة وعشرين . وعن عبادة بن الصامت من أربعة وأربعين من النبوة . والصحيح منها حديث الستة والأربعين ، ويتلوه في الصحة حديث السبعين ; ولم يخرج مسلم في صحيحه غير هذين الحديثين ، أما سائرها فمن أحاديث الشيوخ ; قاله ابن بطال . قال أبو عبد الله المازري ; والأكثر والأصح عند أهل الحديث من ستة وأربعين . قال الطبري ; والصواب أن يقال إن عامة هذه الأحاديث أو أكثرها صحاح ، ولكل حديث منها مخرج معقول ; فأما قوله ; إنها جزء من سبعين جزءا من النبوة فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة صادقة ، ولكل مسلم رآها في منامه على أي أحواله كان ; وأما قوله ; إنها من أربعين أو ستة وأربعين فإنه يريد بذلك من كان صاحبها بالحال التي ذكرت [ ص; 109 ] عن الصديق - رضي الله عنه - أنه كان بها ; فمن كان من أهل إسباغ الوضوء في السبرات ، والصبر في الله على المكروهات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فرؤياه الصالحة - إن شاء الله - جزء من أربعين جزءا من النبوة ، ومن كانت حاله في ذاته بين ذلك فرؤياه الصادقة بين جزأين ما بين الأربعين إلى الستين لا تنقص عن سبعين ، وتزيد على الأربعين وإلى هذا المعنى أشار أبو عمر بن عبد البر فقال ; اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلافا متضادا متدافعا - والله أعلم - لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والدين المتين ، وحسن اليقين ; فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب كما أن الأنبياء يتفاضلون ، قال الله تعالى ; ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض .قلت ; فهذا التأويل يجمع شتات الأحاديث ، وهو أولى من تفسير بعضها دون بعض وطرحه ; ذكره أبو سعيد الأسفاقسي عن بعض أهل العلم قال ; معنى قوله ; جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، فإن الله تعالى أوحى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في النبوة ثلاثة وعشرين عاما - فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فإذا نسبنا ستة أشهر من ثلاثة وعشرين عاما وجدنا ذلك جزءا من ستة وأربعين جزءا ; وإلى هذا القول أشار المازري في كتابه " المعلم " واختاره القونوي في تفسيره من سورة [ يونس ] عند قوله تعالى ; لهم البشرى في الحياة الدنيا . وهو فاسد من وجهين ; أحدهما ; ما رواه أبو سلمة عن ابن عباس وعائشة بأن مدة الوحي كانت عشرين سنة ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث على رأس أربعين ، فأقام بمكة عشر سنين ; وهو قول عروة والشعبي وابن شهاب والحسن وعطاء الخراساني وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه ، وهي رواية ربيعة وأبي غالب عن أنس ، وإذا ثبت هذا الحديث بطل ذلك التأويل - الثاني ; أن سائر الأحاديث في الأجزاء المختلفة تبقى بغير معنى .الثالثة ; إنما كانت الرؤيا جزءا من النبوة ; لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران ، وقلب الأعيان ، والاطلاع على شيء من علم الغيب ; كما قال - عليه السلام - ; إنه لم يبق من مبشرات [ ص; 110 ] النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم . . . الحديث . وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله ، وإنها من النبوة ; قال - صلى الله عليه وسلم - ; الرؤيا من الله والحلم من الشيطان وأن التصديق بها حق ، ولها التأويل الحسن ، وربما أغنى بعضها عن التأويل ، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه ; ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر ، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة .الرابعة ; إن قيل ; إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءا من النبوة فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلا لها ؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة ; كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات ، ومنام الفتيين في السجن ; ورؤيا بختنصر التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه ، ورؤيا كسرى في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنام عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره وهي كافرة ، وقد ترجم البخاري " باب رؤيا أهل السجن " ; فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحي ولا من النبوة ; إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة ; وقد تقدم في [ الأنعام ] أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق ، لكن ذلك على الندور والقلة ، فكذلك رؤيا هؤلاء ; قال المهلب ; إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة ، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة ، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها ، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءا من النبوة .الخامسة ; الرؤيا المضافة إلى الله تعالى هي التي خلصت من الأضغاث والأوهام ، وكان تأويلها موافقا لما في اللوح المحفوظ ، والتي هي من خبر الأضغاث هي الحلم ، وهي المضافة إلى الشيطان ، وإنما سميت ضغثا ; لأن فيها أشياء متضادة ; قال معناه المهلب . وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا أقساما تغني عن قول كل قائل ; روى عوف بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص; 111 ] قال ; الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . قال ; قلت ; سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال ; نعم ! سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .السادسة ; قوله تعالى ; قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك الآية . الرؤيا مصدر رأى في المنام ، رؤيا على وزن فعلى كالسقيا والبشرى ; وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف . وقد اختلف العلماء في حقيقة الرؤيا ; فقيل ; هي إدراك في أجزاء لم تحلها آفة ، كالنوم المستغرق وغيره ; ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا في آخر الليل لقلة غلبة النوم ; فيخلق الله تعالى للرائي علما ناشئا ، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصح الإدراك ، قال ابن العربي ; ولا يرى في المنام إلا ما يصح إدراكه في اليقظة ، ولذلك لا يرى في المنام شخصا قائما قاعدا بحال ، وإنما يرى الجائزات المعتادات . وقيل ; إن لله ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم ، فيمثل له صورا محسوسة ; فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود ، وتارة تكون لمعان معقولة غير محسوسة ، وفي الحالتين تكون مبشرة أو منذرة ; قال - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم وغيره ; رأيت سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة فأولتها الحمى . ورأيت سيفي قد انقطع صدره وبقرا تنحر فأولتهما رجل من أهل بيتي يقتل والبقر نفر من أصحابي يقتلون . ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها [ ص; 112 ] المدينة . ورأيت في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان بعدي . إلى غير ذلك مما ضربت له الأمثال ; ومنها ما يظهر معناه أولا فأولا ، ومنها ما لا يظهر إلا بعد التفكر ; وقد رأى النائم في زمن يوسف - عليه السلام - بقرا فأولها يوسف السنين ، ورأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر فأولها بإخوته وأبويه .السابعة ; إن قيل ; إن يوسف - عليه السلام - كان صغيرا وقت رؤياه ، والصغير لا حكم لفعله ، فكيف تكون له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه ; لا تقصص رؤياك على إخوتك ؟ فالجواب ; أن الرؤيا إدراك حقيقة على ما قدمناه ، فتكون من الصغير كما يكون منه الإدراك الحقيقي في اليقظة ، وإذا أخبر عما رأى صدق ، فكذلك إذا أخبر عما يرى في المنام ; وقد أخبر الله سبحانه عن رؤياه وأنها وجدت كما رأى فلا اعتراض ; روي أن يوسف - عليه السلام - كان ابن اثنتي عشرة سنة .الثامنة ; هذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح ، ولا على من لا يحسن التأويل فيها ; روى أبو رزين العقيلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة . والرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها فإذا حدث بها وقعت فلا تحدثوا بها إلا عاقلا أو محبا أو ناصحا أخرجه الترمذي وقال فيه ; حديث حسن صحيح ; وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر . وقيل لمالك ; أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال ; أبالنبوة يلعب ؟ وقال مالك ; لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها ، فإن رأى خيرا أخبر به ، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت ; قيل ; فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما تأولت عليه ؟ فقال ; لا ! ثم قال ، ; الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة .التاسعة ; وفي هذه الآية دليل على أن مباحا أن يحذر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه ، ولا يكون داخلا في معنى الغيبة ; لأن يعقوب - عليه السلام - قد حذر يوسف أن يقص [ ص; 113 ] رؤياه على إخوته فيكيدوا له كيدا ، وفيها أيضا ما يدل على جواز ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدا وكيدا ; وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود . وفيها أيضا دليل واضح على معرفة يعقوب - عليه السلام - بتأويل الرؤيا ; فإنه علم من تأويلها أنه سيظهر عليهم ، ولم يبال بذلك من نفسه ; فإن الرجل يود أن يكون ولده خيرا منه ، والأخ لا يود ذلك لأخيه . ويدل أيضا على أن يعقوب - عليه السلام - كان أحس من بنيه حسد يوسف وبغضه ; فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن تغل بذلك صدورهم ، فيعملوا الحيلة في هلاكه ; ومن هذا ومن فعلهم بيوسف يدل على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت ، ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء ، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي ، وعن عقوق الآباء ، وتعريض مؤمن للهلاك ، والتآمر في قتله ، ولا التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، إلا أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر ، وقد أجمع المسلمون على عصمتهم منها ، وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم ويأتي .العاشرة ; روى البخاري عن أبي هريرة قال ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ; لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا ; وما المبشرات ؟ قال ; الرؤيا الصالحة وهذا الحديث بظاهره يدل على أن الرؤيا بشرى على الإطلاق وليس كذلك ; فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل الله - تعالى - لا تسر رائيها ، وإنما يريها الله تعالى المؤمن رفقا به ورحمة ، ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه ; فإن أدرك تأولها بنفسه ، وإلا سأل عنها من له أهلية ذلك . وقد رأى الشافعي - رضي الله عنه - وهو بمصر رؤيا لأحمد بن حنبل تدل على محنته فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك ، وقد تقدم في [ يونس ] في تفسير قوله تعالى ; لهم البشرى في الحياة الدنيا أنها الرؤيا الصالحة . وهذا وحديث البخاري مخرجه على الأغلب ، والله أعلم .الحادية عشرة ; روى البخاري عن أبي سلمة قال ; لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول ; وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ; [ ص; 114 ] الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتفل ثلاث مرات ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره . قال علماؤنا ; فجعل الله الاستعاذة منها مما يرفع أذاها ; ألا ترى قول أبي قتادة ; إني كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل ، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئا . وزاد مسلم من رواية جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ; إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه . وفي حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل . قال علماؤنا ; وهذا كله ليس بمتعارض ; وإنما هذا الأمر بالتحول ، والصلاة زيادة ، فعلى الرائي أن يفعل الجميع ، والقيام إلى الصلاة يشمل الجميع ; لأنه إذا صلى تضمن فعله للصلاة جميع تلك الأمور ; لأنه إذا قام إلى الصلاة تحول عن جنبه ، وإذا تمضمض تفل وبصق ، وإذا قام إلى الصلاة تعوذ ودعا وتضرع لله تعالى في أن يكفيه شرها في حال هي أقرب الأحوال إلى الإجابة ; وذلك السحر من الليل .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)قال أبو جعفر ; يقول جل ذكره قال; يعقوب لابنه يوسف; " يا بنيّ لا تقصص رؤياك "، هذه،" على إخوتك "، فيحسدوك (1) ، " فيكيدوا لك كيدًا "، يقول; فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان (2) .(إن الشيطان للإنسان عدو مبين) ، يقول; إن الشيطان لآدم وبنيه عدو ، قد أبان لهم عداوته وأظهرها (3) . يقول; فاحذر الشيطان أن يغريَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك .* * *وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من أخوته قبلَ ذلك حسدًا، (4) كما;-18788- حدثنا ابن وكيع ، قال; حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي ، قال; نـزل يعقوب الشأم ، فكان همُّه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدث بها أباه فقال; (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا ) ، الآية.* * *واختلف أهل العربية في وجه دخول " اللام " في قوله (فيكيدوا لك كيدا) .فقال بعض نحويي البصرة; معناه; فيتخذوا لك كيدا ، وليست مثل; إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [ سورة يوسف ; 43 ] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام، كما يوصل بالباء ، كما تقول; " قدمت له طعامًا " ، تريد قدّمت إليه، وقال; يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ،[ سورة يوسف ; 48 ] ومثله قوله; قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [ سورة يونس ; 35 ] قال; وإن شئت كان; ( فيكيدوا لك كيدا) ، في معنى; " فيكيدوك " ، وتجعل اللام مثل; لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [ سورة الأعراف ; 154] وقد قال لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ إنما هو بمكان; " ربَّهم يرهبون " .* * *وقال بعضهم; أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم; " حمدت لك " و " شكرت لك " ، و " حمدتك " و " شكرتك " . وقال; هذه لام جلبها الفعل ، (5) فكذلك قوله; (فيكيدوا لك كيدا) تقول; فيكيدوك ، ، أو; يكيدوا لك، فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال; " وكيدًا "; توكيدٌ .* * *----------------------الهوامش;(1) انظر تفسير" القصص" فيما سلف ص ; 551 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(2) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص ; 361 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(3) انظر تفسير" مبين" فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .(4) في المطبوعة ;" حسده" بالإضافة ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو جيد جدًا .(5) في المطبوعة والمخطوطة ;" هذه لام عليها الفعل" ، والصواب ما أثبت .
تفسير الآيات من 4 الى 6 :ـواعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل. فقوله تعالى: { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ْ} يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام: { يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ْ} فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة. وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة، توطئة له، وتسهيلا لأمره، واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق، لطفا بعبده، وإحسانا إليه، فأوَّلها يعقوب بأن الشمس: أمه، والقمر: أبوه، والكواكب: إخوته، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له، ويسجدون له إكراما وإعظاما، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له، واصطفائه له، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل، والتمكين في الأرض. وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب، الذين سجدوا له وصاروا تبعا له فيها، ولهذا قال: { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ْ} أي: يصطفيك ويختارك بما يمنُّ به عليك من الأوصاف الجليلة والمناقب الجميلة،. { وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ْ} أي: من تعبير الرؤيا، وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة، كالكتب السماوية ونحوها، { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ْ} في الدنيا والآخرة، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ْ} حيث أنعم الله عليهما، بنعم عظيمة واسعة، دينية، ودنيوية. { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ} أي: علمه محيط بالأشياء، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره، فيعطي كلا ما تقتضيه حكمته وحمده، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها. ولما بان تعبيرها ليوسف، قال له أبوه: { يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ْ} أي: حسدا من عند أنفسهم، أن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم. { إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ْ} لا يفتر عنه ليلا ولا نهارا، ولا سرا ولا جهارا، فالبعد عن الأسباب التي يتسلط بها على العبد أولى، فامتثل يوسف أمر أبيه، ولم يخبر إخوته بذلك، بل كتمها عنهم.
(قال) فعل ماض، والفاعل هو أي يعقوبـ (يا) حرف نداء
(بنيّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء.. و (الياء) مضاف إليه
(لا) ناهية جازمة
(تقصص) مضارع مجزوم، والفاعل أنت
(رؤياك) مفعول به منصوب.. و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(على إخوة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تقصص) .. و (الكاف) مضاف إليه
(الفاء) فاء السببيّة
(يكيدوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء، وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعلـ (اللام) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يكيدوا) بمعنى يحتالوا ،
(كيدا) مفعول به منصوب ،
(إنّ) حرف توكيد ونصب،
(الشيطان) اسم إنّ منصوب(للإنسان) جارّ ومجرور متعلّق بحال من(عدو) ، وهو خبر إنّ مرفوع
(مبين) نعت لعدوّ.
والمصدر المؤوّلـ (أن يكيدوا) معطوف على مصدر مقدّر مستخرج من الكلام المتقدّم أي لا يكن منك قصّ للرؤيا فكيد منهم لك.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يا بنيّ ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «لا تقصص ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «يكيدوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «إنّ الشيطان.. عدوّ» لا محلّ تعليليّة.
(الواو) عاطفة
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه ،
(ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يجتبيك.. و (اللام) للبعد، و (الكاف) للخطابـ (يجتبي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء.. و (الكاف) مفعول به
(ربّك) فاعل مرفوع.. و (الكاف) مضاف إليه
(الواو) استئنافيّة ،
(يعلّمك) مثل يجتبيك
(من تأويل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يعلّم) ،
(الأحاديث) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(يتمّ) مثل يجتبي
(نعمته) مفعول به منصوب.. و (الهاء) مضاف إليه
(عليك) مثل لك متعلّق بـ (يتمّ) ،
(الواو) عاطفة
(على آل) جارّ ومجرور متعلّق بما تعلّق به
(عليك) فهو معطوف عليه
(يعقوب) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة فهو ممنوع من الصرف
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه
(ما) حرف مصدريّ
(أتمّ) فعل ماض، والفاعل هو و (ها) ضمير مفعول به
(على أبويك) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أتمّها) وعلامة الجرّ الياء.. و (الكاف) مضاف إليه
(من) حرف جرّ
(قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (أتمّها) .
والمصدر المؤوّلـ (ما أتمّها) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يتمّ.. أي يتمّ نعمته إتماما كإتمامها على أبويك.
(إبراهيم) بدل من أبويك مجرور وعلامة الجرّ الفتحة- أو عطف بيان-
(إسحاق) معطوف على إبراهيم بالواو مجرور
(إنّ ربك عليم) مثل إنّ الشيطان عدوّ.. و (الكاف) في ربّك مضاف إليه
(حكيم) خبر ثان مرفوع.
وجملة: «يجتبيك ربّك» لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء .
وجملة: «يعلّمك ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يتمّ ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يعلّمك.
وجملة: «أتمّها ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «إنّ ربّك عليم ... » لا محلّ لها استئنافيّة في حكم التعليل.
ا) .
وجملة: «إنّ ربّك عليم ... » لا محلّ لها استئنافيّة في حكم التعليل.