ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْءَايٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُۥ حَتّٰى حِينٍ
ثُمَّ بَدَا لَهُمۡ مِّنۡۢ بَعۡدِ مَا رَاَوُا الۡاٰيٰتِ لَيَسۡجُنُـنَّهٗ حَتّٰى حِيۡنٍ
تفسير ميسر:
ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر؛ منعًا للفضيحة.
يقول تعالى; ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى " حين " أي إلى مدة وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الآيات وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته وكأنهم والله أعلم إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخـرا المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ويبرأ عرضه فيفضحها.
قوله تعالى ; ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فيه أربع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; ثم بدا لهم أي ظهر للعزيز وأهل مشورته من بعد أن رأوا الآيات أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر ; وشهادة الشاهد ، وحز الأيدي ، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف ; أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة ، وللحيلولة بينه وبينها . وقيل ; هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ; والأول أصح . قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله ; ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات قال ; القميص من الآيات ، وشهادة الشاهد من الآيات ، وقطع الأيدي من الآيات ، وإعظام النساء إياه من الآيات . وقيل ; ألجأها الخجل من الناس ، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب ، لتشتفي إذا منعت من نظره ، قال ;وما صبابة مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل[ ص; 163 ] أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه .الثانية ; قوله تعالى ; ليسجننه يسجننه في موضع الفاعل ; أي ظهر لهم أن يسجنوه ; هذا قول سيبويه . قال المبرد ; وهذا غلط ; لا يكون الفاعل جملة ، ولكن الفاعل ما دل عليه بدا وهو مصدر ; أي بدا لهم بداء ; فحذف لأن الفعل يدل عليه ; كما قال الشاعر ;وحق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالاأي وحق الحق ، فحذف . وقيل ; المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه ; وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه ، وحذف أيضا القول ; أي قالوا ; ليسجننه ، واللام جواب ليمين مضمر ; قاله الفراء ، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث ; ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه ; ويدل على هذا قوله لهم ولم يقل لهن ، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر ; قاله أبو علي . وقال السدي ; كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها ; فالضمير على هذا في لهم للملك .الثالثة ; قوله تعالى ; " حتى حين " أي إلى مدة غير معلومة ; قاله كثير من المفسرين . وقال ابن عباس ; إلى انقطاع ما شاع في المدينة . وقال سعيد بن جبير ; إلى ستة أشهر . وحكى إلكيا أنه عنى ثلاثة عشر شهرا . عكرمة ; تسع سنين . الكلبي ; خمس سنين . مقاتل ; سبع . وقد مضى في " البقرة " القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام . وقال وهب ; أقام في السجن اثنتي عشرة سنة . و " حتى " بمعنى إلى ; كقوله ; حتى مطلع الفجر . وجعل الله الحبس تطهيرا ليوسف - صلى الله عليه وسلم - من همه بالمرأة . وكأن العزيز - وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف . قال ابن عباس ; عثر يوسف ثلاث عثرات ; حين هم بها فسجن ، وحين قال للفتى ; اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال لإخوته ; إنكم لسارقون فقالوا ; إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .الرابعة ; أكره يوسف - عليه السلام - على الفاحشة بالسجن ، وأقام خمسة أعوام ، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ; ولو أكره رجل بالسجن على الزنا ما جاز له إجماعا . فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط عنه إثم [ ص; 164 ] الزنا وحده . وقد قال بعض علمائنا ; إنه لا يسقط عنه الحد ، وهو ضعيف ; فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين بلاءين ; فإنه من أعظم الحرج في الدين . وما جعل عليكم في الدين من حرج . وسيأتي بيان هذا في " النحل " إن شاء الله . وصبر يوسف ، واستعاذ به من الكيد ، فاستجاب له على ما تقدم .
القول في تأويل قوله تعالى ; ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه.* * *وقيل; " بدا لهم " , ، وهو واحد , لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه , وذلك نظير قوله; الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ، [سورة آل عمران; 173]، وقيل; إن قائل ذلك كان واحدًا.* * *وقيل; معنى قوله; (ثم بدا لهم) في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقًا , ورأوا أن يسجنوه (من بعد ما رأوا الآيات) ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز.* * *وتلك " الآيات "، كانت قدَّ القميص من دُبُر , وخمشًا في الوجه , وقَطْعَ أيديهن , كما;-19253 - حدثنا أبو كريب , قال; حدثنا وكيع , عن نصر بن عوف , عن عكرمة , عن ابن عباس; (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال; كان من الآيات; قدٌّ في القميص، وخمشٌ في الوجه. (34)19254 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا أبي وابن نمير , عن [نصر] , عن عكرمة , مثله. (35)&; 16-92 &; 19255 - حدثنا الحسن بن محمد , قال; حدثنا شبابة , قال; حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد; (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال; قدُّ القميص من دبر.19256 - حدثني محمد بن عمرو , قال; حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد; (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال; قدُّ القميص من دبر.19257 - حدثني المثنى , قال; حدثنا أبو حذيفة , قال; حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ،19258 - .... قال; وحدثنا إسحاق , قال; حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .19259 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال; حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة; (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال; " الآيات "; حزُّهن أيديهن , وقدُّ القميص.19260 - حدثنا القاسم , قال; حدثنا الحسين , قال; حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال; قدُّ القميص من دبر.19261 - حدثنا ابن حميد , قال; حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق; (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) ، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر ، (ليسجننه حتى حين).19262 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي; (من بعد ما رأوا الآيات) ، القميصُ , وقطع الأيدي.* * *وقوله; (ليسجننه حتى حين) ، يقول; ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم. (36)* * *وجعل الله ذلك الحبس ليوسف، فيما ذكر، عقوبةً له من همِّه بالمرأة، وكفارة لخطيئته .19263 - حدثت عن يحيى بن أبي زائدة , عن إسرائيل , عن خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس; (ليسجننه حتى حين) ، عثر يوسف عليه السلام ثلاثَ عثرات; حين همَّ بها فسجن. وحين قال; اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ، فلبث في السجن بضع سنين، وأنساه الشيطان ذكر ربه. وقال لهم; إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، فقالوا; إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ .* * *وذكر أن سبب حبسه في السجن، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمرَه وأمرَها، كما; -19264 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي; (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ، قال; قالت المرأة لزوجها; إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري , فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر , وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى; (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).* * *وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه " اللام " في; (ليسجننه) .فقال بعض البصريين; دخلت ههنا، لأنه موضع يقع فيه " أيّ" , فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون , لأن النون تكون في الاستفهام , تقول; " بدا لهم أيّهم يأخذنّ"، أي; استبان لهم.* * *وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال; هذا يمين، وليس قوله; " هل تقومن " بيمين , و " لتقومن "، لا يكون إلا يمينًا.* * *وقال بعض نحويي الكوفة; " بدا لهم " , بمعنى "; القول " , و " القول " يأتي بكل الكلام، بالقسم وبالاستفهام , فلذلك جاز; " بدا لهم قام زيد " , و " بدا لهم ليقومن ".* * *وقيل; إن " الحين " في هذا الموضع معنِيٌّ به سبع سنين.* ذكر من قال ذلك;19265 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا المحاربي , عن داود , عن عكرمة; (ليسجننه حتى حين) ، قال; سبع سنين.* * *----------------------الهوامش;(34) الأثر ; 19253 -" نصر بن عوف" ، لم أجد في الرواة من يسمى بذلك ، والذي عندي أنه" نضر بن عربي الباهلي" ، فهو الذي يروي عن عكرمة ، ويروي عنه وكيع ، وقد سلف مرارًا وانظر رقم ; 1307 ، 5864 ، وسلف التحريف في اسمه كثيرًا .(35) الأثر ; 19254 -" نصر بن عوف" ، انظر التعليق السالف ، هو" نضر بن عربي" .(36) انظر تفسير" الحين" فيما سلف 1 ; 540 / 12 ; 359 .
{ بَدَا لَهُمْ } أي: ظهر لهم { مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ } الدالة على براءته، { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } أي: لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس، فإن الشيء إذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نسي، فرأوا أن هذا مصلحة لهم، فأدخلوه في السجن.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة