قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصّٰغِرِينَ
قَالَتۡ فَذٰلِكُنَّ الَّذِىۡ لُمۡتُنَّنِىۡ فِيۡهِؕ وَ لَـقَدۡ رَاوَدْتُّهٗ عَنۡ نَّـفۡسِهٖ فَاسۡتَعۡصَمَؕ وَلَٮِٕنۡ لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَاۤ اٰمُرُهٗ لَـيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُوۡنًا مِّنَ الصّٰغِرِيۡنَ
تفسير ميسر:
قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن; فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به، ولقد طلبته وحاولت إغراءه؛ ليستجيب لي فامتنع وأبى، ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن، ولَيكونن من الأذلاء.
" إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه " تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " أي فامتنع قال بعضهم لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن وهي العفة مع هذا الجمال ثم قالت تتوعده " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين " فعند ذلك استعاذ يوسف عليه السلام من شرهن وكيدهن.
قوله تعالى ; قالت فذلكن الذي لمتنني فيه لما رأت افتتانهن بيوسف أظهرت عذر نفسها بقولها ; " لمتنني فيه " أي بحبه ، و ذلك بمعنى " هذا " وهو اختيار الطبري . وقيل ; الهاء للحب ، و ذلك على بابه ، والمعنى ; ذلكن الحب الذي لمتنني فيه ، أي حب هذا هو ذلك الحب . واللوم الوصف بالقبيح .ثم أقرت وقالت ; ولقد راودته عن نفسه فاستعصم أي امتنع . وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية . وقيل ; استعصم أي استعصى ، والمعنى واحد .ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن عاودته المراودة بمحضر منهن ، [ ص; 161 ] وهتكت جلباب الحياء ، ووعدت بالسجن إن لم يفعل ، وإنما فعلت هذا حين لم تخش لوما ولا مقالا خلاف أول أمرها إذ كان ذلك بينه وبينها .وليكونا من الصاغرين أي الأذلاء . وخط المصحف " وليكونا " بالألف وتقرأ بنون مخففة للتأكيد ; ونون التأكيد تثقل وتخفف والوقف على قوله ; ليسجنن بالنون لأنها مثقلة ، وعلى ليكونا بالألف لأنها مخففة ، وهي تشبه نون الإعراب في قولك ; رأيت رجلا وزيدا وعمرا ، ومثله قوله ; لنسفعا بالناصية ونحوها الوقف عليها بالألف ، كقول الأعشى ;ولا تعبد الشيطان والله فاعبداأي أراد فاعبدا ، فلما وقف عليه كان الوقف بالألف .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن , فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، (21) هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ; قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه , وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق (22) فقالت; (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ، مما راودته عليه من ذلك (23) كما; -19243 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قالت; (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ; ، تقول; بعد ما حلّ السراويل استعصى , لا أدري ما بَدَا له.19244 - حدثنا بشر , قال; حدثنا يزيد , قال; حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله; (فاستعصم) ، أي; فاستعصى.19245 - حدثني علي بن داود , قال; حدثنا عبد الله بن صالح , قال; حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله; (فاستعصم) ، يقول; فامتنع.* * *وقوله; (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونَن من الصاغرين) ، تقول; ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ، ( ليسجنن )، تقول; ليحبسن (24) ، وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن , ولأهينَنَّه (25)* * *والوقف على قوله; " ليسجنن " ، بالنون، لأنها مشددة , كما قيل; لَيُبَطِّئَنَّ ، [سورة النساء; 72]* * *وأما قوله; ( وليكونَن ) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة , وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل; " رأيت رجلا عندك " , فإذا وقف على " الرجل " قيل; " رأيتُ رجلا " , فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في; " وليكونًا " , ومثله قوله; لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ ، [سورة العلق; 15، 16] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي;وَصَـلِّ عَـلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَىوَلا تَعْبُــدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا (26)وإنما هو; " فاعبدن " , ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالألف.* * *----------------------الهوامش;(21) في المطبوعة ;" وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن .." ، وأثبت الصواب من المخطوطة . و" عزوب الفهم" ، ذهابه . يقال ;" عزب عنه حلمه يعزب عزوبًا" ، ذهب . وقوله ;" ألهتن" من" أله يأله ألهًا" ، إذا تحير ، وأصله" وله ، يوله ، ولهًا" ، بمعنى واحد ، وإنما قلبت الواو همزة .(22) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص ; 62 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(23) انظر تفسير" العصمة" فيما سلف 15 ; 331 ، تعليق 2 ; ، ولمراجع هناك .(24) انظر تفسير" السجن" فما سلف ص ; 52 ."(25) انظر تفسير" الصغار" فيما سلف 14 ; 200 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(26) ديوانه ; 103 ، وغيره كثير ، قاله عند إقباله على الإسلام ، ثم مات ميتة جاهلية والخبر مشهور ، ورواية ديوانه ;وَذَا النُّصُــبَ المَنْصُـوبَ لا تَنْسُـكَنَّهُوَلا تَعْبُــدِ الأَوْثَــانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَاوَصَـلِّ عَـلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَىوَلا تَحْــمَدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فـاحْمَداوهي أجود الروايتين .
فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر، وأعجبهن غاية، وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز، شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية، ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة: { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي: امتنع وهي مقيمة على مراودته، لم تزدها مرور الأوقات إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقا.ولهذا قالت له بحضرتهن: { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه، فعند ذلك اعتصم يوسف بربه، واستعان به على كيدهن
(قالت) فعل ماض، و (التاء) للتأنيث، والفاعل هي
(الفاء )رابطة لجواب شرط مقدّر
(ذلكنّ) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، و (اللام) للبعد و (كنّ) حرف خطاب جمع الإناث
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر المبتدأ
(لمت) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (تنّ) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعلـ (النون) نون الوقاية
(الياء) ضمير مفعول به
(في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (لمتن) على حذف مضاف أي في حبّه ،
(الواو) استئنافيّة
(اللام) لام القسم لقسم مقدّر
(قد) حرف تحقيق
(راودت) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (التاء) فاعل و (الهاء) ضمير مفعول به
(عن نفسه) جارّ ومجرور متعلّق بـ (راودته) .. و (الهاء) مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(استعصم) فعل ماض والفاعل هو (الواو) استئنافيّة
(اللام) موطّئة للقسم
(إن) حرف شرط جازم
(لم) حرف نفي(يفعل) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل هو (ما) اسم موصول مبنيّ فيمحلّ نصب مفعول به
(آمره) مضارع مرفوع، و (الهاء) مفعول به، والفاعل أنا
(اللام) لام القسم
(يسجننّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع..
و (النون) نون التوكيد وهو مبنيّ للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الواو) عاطفة
(ليكوننّ) لام القسم ومضارع ناقص مثل يسجننّ في البناء، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من الصاغرين) جارّ ومجرور متعلّق بخبر يكونن.
جملة: «قالت» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ذلكنّ الذي» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن كنتنّ قد لمتنني فذلك الذي لمتنني فيه.. وجملة الشرط والجواب في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «لمتنّني ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «راودته» لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.. وجملة القسم استئنافيّة لا محلّ لها.
وجملة: «استعصم» لا محلّ لها معطوفة على جواب القسم.
وجملة: «إن لم يفعل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمره» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) ، والعائد محذوف.
وجملة: «يسجننّ» لا محلّ لها جواب القسم.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم.
وجملة: «يكونن من الصاغرين» لا محلّ لها معطوفة على جواب القسم.