ارْجِعُوٓا إِلٰىٓ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يٰٓأَبَانَآ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حٰفِظِينَ
ارجعوا أنتم إلى أبيكم، وأخبروه بما جرى، وقولوا له; إن ابنك "بنيامين" قد سرق، وما شهدنا بذلك إلا بعد أن تَيَقَّنَّا، فقد رأينا المكيال في رحله، وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حين عاهدناك على ردِّه.
وَسْـَٔلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِىٓ أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصٰدِقُونَ
واسأل -يا أبانا- أهل "مصر"، ومَن كان معنا في القافلة التي كنا فيها، وإننا صادقون فيما أخبرناك به.
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
ولما رجعوا وأخبروا أباهم قال لهم; بل زَيَّنَت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء مكيدة دبَّرتموها كما فعلتم مِن قبل مع يوسف، فصبري صبر جميل لا جزع فيه ولا شكوى معه، عسى الله أن يردَّ إليَّ أبنائي الثلاثة -وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبير المتخلف من أجل أخيه- إنه هو العليم بحالي، الحكيم في تدبيره.
وَتَوَلّٰى عَنْهُمْ وَقَالَ يٰٓأَسَفٰى عَلٰى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ
وأعرض يعقوب عنهم، وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال; يا حسرتا على يوسف وابيضَّتْ عيناه، بذهاب سوادهما مِن شدة الحزن فهو ممتلئ القلب حزنًا، ولكنه شديد الكتمان له.
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّٰى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهٰلِكِينَ
قال بنوه; تالله ما تزال تتذكر يوسف، ويشتدُّ حزنك عليه حتى تُشْرِف على الهلاك أو تهلك فعلا فخفف عن نفسك.
قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
قال يعقوب مجيبًا لهم; لا أظهر همِّي وحزني إلا لله وحده، فهو كاشف الضرِّ والبلاء، وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه.
يٰبَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَا۠يْـَٔسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَا۠يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰفِرُونَ
قال يعقوب; يا أبنائي عودوا إلى "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يٰٓأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضٰعَةٍ مُّزْجٰىةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ
فذهبوا إلى "مصر"، فلما دخلوا على يوسف قالوا; يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا القحط والجدب، وجئناك بثمن رديء قليل، فأعطنا به ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد، وتصدَّقْ علينا بقبض هذه الدراهم المزجاة وتجوَّز فيها، إن الله تعالى يثيب المتفضِّلين على أهل الحاجة بأموالهم.
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جٰهِلُونَ
فلما سمع مقالتهم رقَّ لهم، وعرَّفهم بنفسه وقال; هل تذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الأذى في حال جَهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟
قَالُوٓا أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهٰذَآ أَخِى ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
قالوا; أإنَّك لأنت يوسف؟ قال; نعم أنا يوسف، وهذا شقيقي، قد تفضَّل الله علينا، فجمع بيننا بعد الفرقة، إنه من يتق الله، ويصبر على المحن، فإن الله لا يذهب ثواب إحسانه، وإنما يجزيه أحسن الجزاء.