مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
مِنۡ شَرِّ الۡوَسۡوَاسِ ۙ الۡخَـنَّاسِ
تفسير ميسر:
من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "الوسواس الخناس" الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "الوسواس" قال هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.
قوله تعالى ; من شر الوسواس الخناسيعني ; من شر الشيطان . والمعنى ; من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛ قاله [ ص; 234 ] الفراء ; وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي الموسوس . و ( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة . وكذا الزلزال والزلزال . والوسوسة ; حديث النفس . يقال ; وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة ( بكسر الواو ) . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي ; وسواس . وقال ذو الرمة ;فبات يشئزه ثأد ويسهره تذوب الريح والوسواس والهضبوقال الأعشى ;تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجلوقيل ; إن الوسواس الخناس ابن لإبليس ، جاء به إلى حواء ، ووضعه بين يديها وقال ; اكفليه . فجاء آدم - عليه السلام - فقال ; ما هذا يا حواء ؟ قالت ; جاء عدونا بهذا وقال لي ; اكفليه . فقال ; ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء ، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية ؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع ، وعلق كل ربع على شجرة ، غيظا له ؛ فجاء إبليس فقال ; يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بما صنع به آدم - عليه السلام - فقال ; يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء وقال ; اكفليه ؛ فجاء آدم - عليه السلام - فحرقه بالنار ، وذر رماده في البحر ؛ فجاء إبليس عليه اللعنة فقال ; يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بفعل آدم إياه ؛ فذهب إلى البحر ، فقال ; يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء الثالثة ، وقال ; اكفليه . فنظر إليه آدم ، فذبحه وشواه ، وأكلاه جميعا . فجاء إبليس فسألها فأخبرته حواء . فقال ; يا خناس ، فحيي فأجابه فجاء به من جوف آدم وحواء . فقال إبليس ; هذا الذي أردت ، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم ؛ فهو ملتقم قلب آدم ما دام غافلا يوسوس ، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس . ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه . وما أظنه يصح ، والله تعالى أعلم .ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ؛ ومنه قول الله تعالى ; فلا أقسم بالخنس يعني النجوم ، لاختفائها بعد ظهورها . وقيل ; لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ؛ أي يتأخر . وفي الخبر " إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس " أي تأخر وأقصر . وقال قتادة ; الخناس الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فإذا غفل الإنسان وسوس له ، وإذا ذكر العبد ربه خنس . يقال ; خنسته فخنس ؛ أي أخرته فتأخر . وأخنسته أيضا . ومنه قول أبي العلاء الحضرمي - أنشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ;وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسلالدحس ; الإفساد . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; إن الشيطان واضع خطمه على [ ص; 235 ] قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس . وقال ابن عباس ; إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه . وقال إبراهيم التيمي ; أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء . وقيل ; سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله . والخنس ; الرجوع . وقال الراجز ;وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد إن حييته خناساوقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ; الوسواس الخناس وجهين ; أحدهما ; أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى . الثاني ; أنه الخارج بالوسوسة من اليقين .
وقوله; ( مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ) يعني; من شرّ الشيطان ( الْخَنَّاسِ ) الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى، وإنما يخنِس فيما ذُكر عند ذكر العبد ربه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن حكيم بن جُبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال; ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس، فإذا عقل فذكر الله خَنَس، وإذا غَفَل وسوس، قال; فذلك قوله; ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن منصور، عن سفيان، عن ابن عباس، في قوله ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) قال; الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس .قال; ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) قال; ينبسط فإذا ذكر الله خَنَس وانقبض، فإذا غفل انبسط .حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) قال; الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خَنَس .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( الْوَسْوَاسِ ) قال; قال هو الشيطان، وهو الخَنَّاس أيضا، إذا ذكر العبد ربه خنس، وهو يوسوس وَيخْنِس .حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) يعني; الشيطان، يوسوس في صدر ابن آدم، ويخنس إذا ذُكر الله .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن أبيه، قال; ذُكر لي أن الشيطان، أو قال الوسواس، ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح، وإذا ذُكر الله خنس .حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( الْخَنَّاسِ ) قال; الخناس الذي يوسوس مرّة، ويخنس مرّة من الجنّ والإنس، وكان يقال; شيطان الإنس أشدّ على الناس من شيطان الجنّ، شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه، وهذا يُعاينك معاينة .ورُوي عن ابن عباس رضى الله عنه أنه كان يقول في ذلك ( مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ) الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس، حتى يُستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته، فإذا استجيب له إلى ذلك خَنَس.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( الْوَسْوَاسِ ) قال; هو الشيطان يأمره، فإذا أطيع خنس .والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; إن الله أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّة ويخنس أخرى، ولم يخصَّ وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله، &; 24-711 &; فإذا أطيع فيها خَنَس، وقد يوسوس بالنَّهْي عن طاعة الله فإذا ذكر العبدُ أمر ربه فأطاعه فيه، وعصى الشيطان خنس، فهو في كلّ حالتيه وَسْواس خَناس، وهذه الصفة صفته.
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة