وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
وَيۡلٌ لِّـكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةِ
تفسير ميسر:
شر وهلاك لكل مغتاب للناس، طعان فيهم.
الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم وقد تقدم بيان ذلك في قوله تعالى "هماز مشاء بنميم" قال ابن عباس همزة لمزة طعان معياب. وقال الربيع بن أنس الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه. وقال قتادة الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم. وقال مجاهد الهمزة باليد والعين واللمزة باللسان وهكذا قال ابن زيد. وقال مالك عن زيد بن أسلم همزة لحوم الناس ثم قال بعضهم المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هي عامة.
تفسير سورة الهمزة مكية بإجماع . وهي تسع آياتبسم الله الرحمن الرحيمويل لكل همزة لمزةقد تقدم القول في الويل في غير موضع ، ومعناه الخزي والعذاب والهلكة . وقيل ; واد في جهنم . لكل همزة لمزة قال ابن عباس ; هم المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ; فعلى هذا هما بمعنى . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; شرار عباد الله تعالى المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب . وعن ابن عباس أن الهمزة ; الذي يغتاب واللمزة ; العياب . وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح ; الهمزة ; الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللمزة ; الذي يغتابه من خلفه إذا غاب ; ومنه قول حسان ;همزتك فاختضعت بذل نفس بقافية تأجج كالشواظواختار هذا القول النحاس ، قال ; ومنه قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات . وقال مقاتل ضد هذا الكلام ; إن الهمزة ; الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة ; الذي يغتاب في الوجه . وقال قتادة ومجاهد ; الهمزة ; الطعان في الناس ، واللمزة ; الطعان في [ ص; 164 ] أنسابهم . وقال ابن زيد ; الهامز ; الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة ; الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري يهمز بلسانه ، ويلمز بعينيه . وقال ابن كيسان ; الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة ; الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه . وقال مرة ; هما سواء ; وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . وقال زياد الأعجم ;تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزهوقال آخر ;إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزهالسخط ; البعد . والهمزة ; اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى ; كما يقال ; سخرة وضحكة ; للذي يسخر ويضحك بالناس . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج همزة لمزة بسكون الميم فيهما . فإن صح ذلك عنهما ، فهي في معنى المفعول ، وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه ، ويحملهم على الاغتياب . وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش ; ويل للهمزة اللمزة . وأصل الهمز ; الكسر ، والعض على الشيء بعنف ; ومنه همز الحرف . ويقال ; همزت رأسه . وهمزت الجوز بكفي كسرته . وقيل لأعرابي ; أتهمزون ( الفارة ) ؟ فقال ; إنما تهمزها الهرة . الذي في الصحاح ; وقيل لأعرابي أتهمز الفارة ؟ فقال السنور يهمزها . والأول قاله الثعلبي ، وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة . قال العجاج ;ومن همزنا رأسه تهشماوقيل ; أصل الهمز واللمز ; الدفع والضرب . لمزه يلمزه لمزا ; إذا ضربه ودفعه . وكذلك همزه ; أي دفعه وضربه . قال الراجز ;ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعاالبركعة ; القيام على أربع . وبركعه فتبركع ; أي صرعه فوقع على استه ; قاله في الصحاح . والآية نزلت في الأخنس بن شريق ، فيما روى الضحاك عن ابن عباس . وكان يلمز الناس ويعيبهم ; مقبلين ومدبرين . وقال ابن جريج ; في الوليد بن المغيرة ، وكان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . وقيل ; نزلت في أبي بن خلف . وقيل ; في جميل بن عامر الثقفي . وقيل ; إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص ; وهو قول الأكثرين . قال مجاهد ; ليست بخاصة لأحد ، بل لكل من كانت هذه صفته . وقال الفراء ; يجوز أن يذكر [ ص; 165 ] الشيء العام ويقصد به الخاص ، قصد الواحد إذا قال ; لا أزورك أبدا . فتقول ; من لم يزرني فلست بزائره ; يعني ذلك القائل .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه; وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)يعني تعالى ذكره بقوله;( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم,( لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) ; يقول; لكل مغتاب للناس, يغتابهم ويبغضهم, كما قال زياد الأعجم;تُــدلِي بــوُدِّي إذا لاقَيْتَنِـي كَذِبـاوَإنْ أُغَيَّــبْ فـأنتَ الهـامِزُ اللُّمَـزَهْ (1)ويعني باللمزة; الذي يعيب الناس, ويطعن فيهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا مسروق بن أبان, قال; ثنا وكيع, عن رجل لم يسمه, عن أبي الجوزاء, قال; قلت لابن عباس; من هؤلاء هم الذين بدأهم الله بالويل ؟ قال; هم المشاءون بالنميمة, المفرقون بين الأحبة, الباغون أكبر العيب.حدثنا أبو كريب, قال; ثنا وكيع, عن أبيه, عن رجل من أهل البصرة, عن أبي الجوزاء, قال; قلت; لابن عباس; من هؤلاء الذين ندبهم الله إلى الويل ؟ ثم ذكر نحو حديث مسروق بن أبان.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; الهمزة يأكل لحوم الناس, واللمزة; الطعان.وقد رُوي عن مجاهد خلاف هذا القول, وهو ما حدثنا به أبو كُرَيب, قال; ثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) قال; الهمزة; الطعان, واللمزة; الذي يأكل لحوم الناس.حدثنا مسروق بن أبان الحطاب, قال; ثنا وكيع, قال; ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.ورُوي عنه أيضا خلاف هذين القولين, وهو ما حدثنا به ابن بشار, قال; ثنا يحيى, قال; ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; أحدهما الذي يأكل لحوم الناس, والآخر الطعان. وهذا يدلّ على أن الذي حدث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين, فلذلك اختلف نقل الرواة عنه فيما رووا على ما ذكرت.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) أما الهمزة; فأكل لحوم الناس, وأما اللمزة; فالطعان عليهم.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, قال; الهمزة; آكل لحوم الناس; واللمزة; الطعان عليهم.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن خثيم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس; ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; ويل لكلّ طعان مغتاب.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, قال; الهمزة; يهمزه في وجهه, واللمزة; من خلفه.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال; يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه, ويأكل لحوم الناس, ويطعن عليهم.حدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء، جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال; الهمزة باليد, واللمزة باللسان.وقال آخرون في ذلك ما حدثني به يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قول الله; ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; الهمزة; الذي يهمز الناس بيده, ويضربهم بلسانه, واللمزة; الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.واختلف في المعنى بقوله; ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) فقال بعضهم; عني بذلك; رجل من أهل الشرك بعينه, فقال بعض من قال هذا القول; هو جميل بن عامر الجُمَحِيّ. وقال آخرون منهم; هو الأخنس بن شريق.* ذكر من قال; عُنِي به مشرك بعينه.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; مشرك كان يلمز الناس ويهمزهم.حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن رجل من أهل الرقة قال; نـزلت في جميل بن عامر الجمحي.حدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء, في قوله ( هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; ليست بخاصة لأحد, نـزلت في جميع بني عامر; قال ورقاء; زعم الرقاشي.وقال بعض أهل العربية; هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام, وهي تقصد به الواحد, كما يقال في الكلام, إذا قال رجل لأحد; لا أزورك أبدا; كل من لم يزرني, فلست بزائره, وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له; لا أزورك أبدا.وقال آخرون; بل معنيّ به, كل من كانت هذه الصفة صفته, ولم يقصد به قصد آخر.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو. قال; ثنا أبو عاصم, قاله; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله; ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال; ليست بخاصة لأحد.والصواب من القول في ذلك; أن يقال; إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة, كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها, سبيله سبيله كائنا من كان من الناس.
{ وَيْلٌ } أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب { لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله.
(ويل) مبتدأ مرفوع ،
(لكلّ) متعلّق بخبر المبتدأ،
(لمزة) نعت لهمزة مجرور مثله ..
جملة: «ويل لكلّ ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
2- 3
(الذي) موصول بدل من(كلّ) في محلّ جرّ..
وجملة: «جمع ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «عدّده ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.وجملة: «يحسب ... » في محلّ نصب حال ممن فاعل عدّد ..
والمصدر المؤوّلـ (أنّ ماله أخلده..) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يحسب.
وجملة: «أخلده» في محلّ رفع خبر أنّ.